صلتنا بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
22 نوفمبر, 2017الإسلام دين يسر وقصد
2 يناير, 2018صلتنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
صلتنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
(بقية الحديث مما سبق)
كان هذان المصدران أعدل ميزان لتقويم الحياة الإسلامية والبلوغ بها إلى أمثل المستوى المنشود من تعاليم الدين الحنيف مع مراعاة المستجدات العلمية والحضارية، والتطور الشامل كلَّ جزء من حياة الإنسان وجميع مرافق الكون الذي يعيش فيه الإنسان المعاصر، إذ من المعلوم أن الإسلام لا يحول أبداً دون التقدم العلمي والثقافي، ولا يمنع أتباعه عن مسايرة الأوضاع والظروف التي نشأت من دراسة هذه الكائنات والتعمق في الحقائق الكونية التي أودع الله سبحانه وتعالى فيها من أسرار الخلق والأمر ومن عجائب القدرة التي يكشفها علماء الطبيعة في جانب، وفي جانب آخر يدرسها علماء هذا الدين ويتعمقون فيها، فإذا بهم يزدادون إيماناً ويوسعون دائرة الإيمان والثقة بالقوة الهائلة التي تعمل من السماء إلى الأرض،وفي كل شيء، صغيراً كان أو كبيراً، وفي كل ذرة من كل كائن”.
وقد درس المسلمون كتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل حين وآن، وأخذوا منهما جميع المعاني العميقة التي لها صلة بالقدرة الهائلة التي يملكها الملكوت الدائم، فزادوا إيماناً وثقة بالخلاق العظيم، وتوصلوا إلى أن الإنسان مهما كان يملك من الوسائل والطاقات المعجزة، ولكنه لا يقدر على التفهم الكامل للحكمة التي أرادها الله سبحانه وتعالى في وضع النظام الدقيق الذي يسير عليه هذا الكون من غير توقف وتأخير، وإن مجرد نظام الكواكب من الشمس والقمر و الليل والنهار يبعث في نفوس المتأملين روعة وجلالاً، بلهَ نظام الخلق والأمر فيما أدركه الإنسان من أسرار الكائنات وفيما لم يدركه إلى الآن.
بالرغم من ذلك واجه الدين عداء من أصحاب العقليات المحضة، ممن تركزت جهودهم على الاكتشافات العقلية وزعموا الدين لعبة الكنائس والمعابد، وأنكروا أن يكون له دور في حياة الإنسان، ولعل ذلك كان نتيجة للمزاعم النفسية والانحرافات الخلقية التي جعلتها اليهود والنصاري من أساسيات الدين فلم تعد الديانات اليهودية والمسيحية إلا مجموعة من الأفكار الغامضة والممارسات المادية النفسية التي أنتجتها الأغراض والأهواء الرخيصة والتحريفات التي دُسَّت في الكتب المقدسة لديها.
ولقد كشف كتاب الله صنيعهم (أهل الكتاب) مع الدين وسخريتهم مما أنزله الله سبحانه على عبده ونبيه المسيح عليه السلام فوجه إليهم إنذاراً وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصرح لهم بأنهم ليسوا على شيء “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ” [المائدة:68] كما أكد الله سبحانه أن منهم من قال عن المسيح أنه هو الله فقد كفر “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ” [المائدة:72].
ومن ثَم ضعف تأثير الكنيسة والدين لدى هؤلاء العقلانيين الذين كانوا في جانب ضد آباء الكنائس وممارساتهم وأفكارهم، ولا يزال هذا التفريق قائماً بين العقل وا لدين، فيما زعموه، فهذا عالم الطبيعة يبحث عن دفائن كنوز العلم والمعرفة، ويحكم العالم سياسياً وعلمياً، وهذا هو البابا المقدس قائد الديانة وعامر الكنيسة وطبيب الأمراض النفسية، فما زالت المسافة باقية بين هذا وذاك، كلٌّ في محيطه.
أما القرآن الكريم فيجمع بينهما بغاية من الاتزان وشأن الوسطية، دون أن يكون هناك تقسيم الحياة بين القديم والجديد؛ بل الجمع بينهما بالعدل والإحسان، الجمع بين الدين والدنيا، بين الروح والمادة على السواء “فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ” [البقرة:200-202].
من هنا كان الإسلام دين الوسطية والتوازن والاعتدال يهتم بأداء حقوق الله وحقوق العباد في وقت واحد، يؤدي فيه المسلم الصلوات وأركان العبادة كلها في جانب ويقوم بتجارة الأموال وقضاء حاجات الناس بتوفير ما يحتاجون إليهم من الأمتعة والبضائع.
“لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ” [النور:37].
وبذلك حدث ذلك الانقلاب الذي أراده الله تعالى في العالم البشري عن طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسلك الناس مع تعاليمه طريق العدل والقصد في جميع شؤون الحياة فكانوا مثالاً للجمع بين الدين والدنيا.
يقول سماحة العلامة شيخنا الإمام السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي:
” لقد كان هذا الانقلاب الذي أحدثه صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإسلامي أغرب ما في تاريخ البشر، وقد كان هذا الانقلاب غريباً في كل شيء، كان غريباً في سرعته وكان غريباً في عمقه، وكان غريباً في سعته وشموله، وكان غريباً في وضوحه وقربه إلى الفهم، فلم يكن غامضاً ككثير من الحوادث الخارقة للعادة، ولم يكن لغزاً من الألغاز، فلندرس هذا الانقلاب، ولنتعرف مدى تأثيره في المجتمع الإنساني والتاريخ البشري”.
(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
سعيد الأعظمي الندوي