من التبعية إلى الذاتية
2 يناير, 2018العالم بأشد حاجة إلى إصلاح أهاليه
5 فبراير, 2018المسلمون أمام خطرين
يواجه الإسلام كدين الأمة العربية الإسلامية خطرين: خطراً من الخارج، وخطراً من الداخل،يواجه الإسلام اليوم هجوماً ومحاولات للتشويه، وبحوثاً علمية وفكرية تثير الشكوك والشبهات في مصادر الإسلام، وتحقيقات مزحزحة للثقة في العقيدة، وتفسيرات خاطئة تثير الشكوك في أذهان من يعتمد على هذه البحوث العلمية المزعومة عن القرآن الكريم والسيرة النبوية المطهرة، وسلوك أصحاب الرسول البررة.
وانتشرت هذه الأفكار في عهد الاستعمار الغربي الذي وضع نظاماً جديداً للتعليم والتربية،ونتيجة لذلك وُجِد جيل من المسلمين في هذه المراكز التعليمية في ضوء الكتب التي تحمل هذه الأفكار،عقيدتُه عن الإسلام،غير عقيدة السلف،بل يعارض عقيدة السلف، وسلوكه في الحياة وخلقه غير سلوك السلف وخلقه الذي كان المسلمون بتأثيره سخروا العالم، وكسبوا حبّ وتقدير غير المسلمين، فكان وجود مسلم وسلوكه باعثاً على دراسة الإسلام والاعتراف بفضله وصلاحيته للقيادة في الحياة.
وقد أشار إلى ذلك الكاتب المستشرق آرنولد الذي كتب في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” بدلائل أن الإسلام انتشر في العالم بسلوك وخلق المتمسكين بتعاليم الإسلام، وقد دخلت دول متعددة في الإسلام وتحولت إلى دول إسلامية، ولا تزال تعرف بالدول الإسلامية بتأثير الدعاة العاملين، ويزيد عدد هذه الدول عن الدول المفتوحة بالحرب،وتغيرت لغات سكانها.
وقد اعترف بذلك بعض المعارضين للإسلام والمسلمين هذه الأيام أن الإسلام يحمل جاذبية تغلب على الأديان الأخرى، ويدل على ذلك أن عدد المسلمين في كل بلد يتصاعد بسرعة، ولا يرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة التعليم لما يتعلق بالدين، بل إلى دخلول غير المسلمين في الإسلام، وبذلك ترتفع نسبة الأقلية المسلمة في البلدان غير الإسلامية كما يشاهد في قائمة تعداد السكان وعلى رأسها الدول الأوربية وقد أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة إنشاء مساجد ومدارس للتعليم الإسلامي في هذه البلدان .
فلهذا السبب الرئيس وهوالتأثير المعاصر للإسلام رغم ما يقع في العالم من وقائع وأحداث، تتخذ الحكومات إجراءات لقمع تأثير الإسلام وصلاحيته في المسلمين واستعدادهم للتضحية في سبيل عقيدتهم وتعاليم دينهم، ونهوضهم لوقايته من التحريف أو التزوير، وعدم قبولهم لأي تدخُّل في شريعتهم أو وضع أي عقبة في سبيل اتباعهم لتعاليم دينهم ومواجهة الحملات من قبل السلطات القائمة في بلدانهم لفرض أي نظام أو قانون يعارض تعاليم دينهم.
وأكبر مظهر لهذا الموقف الهند التي رغم بعدها عن العالم الإسلامي،قام العلماء المسلمون في هذا البلد بعد سقوط الدولة الإسلامية بالاحتفاظ بالشخصية الإسلامية،وإنشاء مراكز التربية الإسلامية وأقيمت في البلد مدارس التعليم الديني وواجهوا كل ما يمس بأحكام الدين وتعاليمه كما وقع أخيراً عندما أعلنت بعض الدوائر الرسمية نواياها لتغيير قانون الأحوال الشخصية الإسلامية.
وفي عهد حكم المسلمين في هذا البلد كلما انحرف الحكام المسلمون عن تعاليم الإسلام وقف علماء ذلك العصر ضد هذا الانحراف، وتحملوا الشدائد إلى أن عاد النظام إلى المنهج السليم، وكل من يراجع تاريخ الهند خلال الحكم الإسلامي وعهد الاستعمار يجد وجود العلماء في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والتعاليم الإسلامية بجانب الخدمات العلمية، فقد أضافوا إلى المكتبة العلمية الإسلامية بحوثاً وتحقيقات كما قاموا بدور فعال في مكافحة الانحرافات في السلوك الفردي والاجتماعي، والبدع والخرافات، وآثار الأمية في حياة المسلمين علمياً وعملياً.
كانت هذه الجهود الدينية والعلمية للعلماء والمصلحين في التاريخ الإسلامي سبباً لوقاية الشريعة من الجهود المكثفة من قبل الأعداء.
هذا هو الخطر الخارجي الذي واجهه العلماء والمصلحون في كل عصر حتى في عهود الاستبداد والقهر والجبر ولا يزالون يواجهونه.
وبجانب هذا الخطر الخارجي هناك خطر داخلي يقوم به المتربصون بالإسلام والمسلمين الدوائر.
وذلك أولاً بوجود طبقة من المبهورين بما يسمى بالحضارة الغربية،والمسعورين بما شرعه الدين فيقعون فريسة لمكائد الأعداء، وتؤدي تصرفاتهم وتحركاتهم أزمات بل و مآسي للمسلمين.
ثانياً: تشتُّت المسلمين وتفرُّق كلمتهم رغم كونهم أمة إسلامية واحدة كما ورد في القرآن الكريم ” كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ” (الصف:4). ” وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” [المؤمنون:52] “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء:92] .
وورد في الحديث الشريف: ” مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “( متفق عليه).و “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً”(رواه البخاري)
إن الواقع المرير الذي يعيش فيه المسلمون اليوم يقتضي منهم فهم دسائس الأعداء للإسلام وتوحيد صفوفهم والتقارب بينهم واختيار وسائل الوحدة والتضامن وتجنب كل ما يمزق صفوفهم.
كما واجه المسلمون الخطر الخارجي ويواجهونه عليهم أن يواجهوا الخطر الداخلي، ويبذل القادة المسلمون جهودهم في حلّ مشاكلهم بأنفسهم وإزالة أسباب الافتراق والانشقاق من صفوفهم، ويقتضي أن يحلّ المسلمون مشاكلهم بأنفسهم، ولا يعطون الأعداء فرصة للتدخُّل في شئونهم الداخلية.
ولمواجهة حملة كراهية الإسلام والمسلمين يجب بذلُ مجهودات علمية بتأليف كتب بأسلوب علمي يعرض الإسلام، وجهود اجتماعية لإصلاح حياة المسلمين، ومكافحة ما يتعارض مع تعاليم الإسلام، والإسهام في الخدمات الإنسانية،كما يجب نشر التعليم، ومكافحة الجهل المستشري في المسلمين، ولابد أن يثبتوا أنهم سبب خير وبركة في المجتمع الإنساني. وقد أشار إلى ذلك المفكر الإسلامي الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي فيقول:
” أما بالنسبة إلى البلاد غير الإسلامية، فلا بد من القيام بالدعوة إلى الإسلام، والتعريف به بأساليب حكيمة تتفق مع طبيعة الإسلام وروح العصر، أما البلاد التي فيها الأقليات المسلمة، فيجب الاهتمام بتمثيل الإسلام، والحياة الإسلامية تمثيلاً يلفت إليه الأنظار، ويستهوى القلوب، والقيام بالقيادة الخلقية والروحية، وقبول مسؤولية إنقاذ البلاد والمجتمع من الانهيار الخلقي، والخواء الروحي، والتدهور الاجتماعي الذي تعرضت له هذه البلاد، حكومة وشعباً، حتى يتهيأ للإسلام أن يُثبت جدارته وحاجة البلاد إليه، ويتهيأ للمسلمين أن يقوموا بدورهم البلاغي والقيادي في هذه البلاد
محمد واضح رشيد الحسني الندوي