الطريق الذي لا مناص للمسلمين من اختياره

الإسلام في حاجة إلى العمل المخلص
3 فبراير, 2021
الإسراء والمعراج
4 أبريل, 2021

الطريق الذي لا مناص للمسلمين من اختياره

لقد خرج المسلمون عندما خرجوا، بخير أخلاق، وبخير خصال، ففتحوا القلوب، وفتحوا النفوس قبل أن يفتحوا الحكومات والبلاد، وقدموا نماذج من أروع ما يمكن أن يتصوره الإنسان في التاريخ، فهزّوا العالم هزًّا، وأحدثوا زلزالاً لم يعهد مثله منذ القديم، ومهّدوا للركب الإنساني طريقًا واسعًا إلى الخير والفضيلة والسلام، من سلك فيه فقد أحرزها لانتصاره ونجاحه في الحياة في الدنيا و في الآخرة كذلك.

ولقد كان هذا الطريق، هو الطريق الوحيد للنجاة في كل عصر ومصر عندما يعم الظلام في كل جهة، وتخبط الإنسانية البائسة فيه خبط عشواء، وتتسكع في مهامه الحياة، وهو الطريق الذي كان ضماناً للمسلمين أيضاً في جميع عصورهم، كلما اتبعوه وسلكوا فيه نجوا وأحرزوا الانتصار والكرامة، وكلما حادوا عنه وقعوا في ذلة وخسران، وقع ذلك في الأندلس عندما دخلوا فيها، ووقع فيها عكس ذلك عند خروجهم منها، ووقع ذلك عند فتوح العجم والعـراق، و وقع عكسه عند ما لقوا القتل والإهانة في عروس بلادهم بغداد .

وهذا هو الطريق الذي لا مناص للمسلمين من اختياره إذا أرادوا الكرامة، فقد جربوا ذلك مراراً، وليس من المعقول أن يغفلوا عنه، وينخدعوا بتيارات جديدة، وأنظمة متطرفة أخرى مما لا يصادق عليه دينهم ولايتفق معه تاريخهم، ولا تقبله مثلهم ونظم حياتهم، فقد يجوز أن يشتهوا الجديد، وترغب نفوسهم إليه، ولكنه ليس من اللازم  أن يجدوا في كل جديد الدواء والخير .

إن المسلمين اليوم في حاجة إلى دواء يشفيهم من هذه الأسقام التي تعرضوا لها منذ زمان، وفي حاجة إلى فضيلة وخير ينفيان عنهم هذا الهوان والذلة التي يلاقونهما في كل مجال من مجالات الحياة المعاصرة، إنهم في حاجة إلى سابق قوتهم، وسابق عزهم، وسابق مهابتهم، إنهم في حاجة إلى سابق إيمانهم، وسابق ثقتهم، وسابق ثباتهم، وسابق جديتهم وصرامتهم، فهم حقيقون بها ومحتاجون اليوم إلى اختيارها.

إن المسلمين اليوم لم يعودوا يفتقرون إلى عتاد كثير، ومال كثير، ولا إلى أصدقاء وأنصار كثيرين، وإن كان لكل ذلك قيمة وفائدة، وكل منها ينفع في محله، ويفيد في مكانه، ولكن أيًّا من ذلك لا يقدر أن يكون بديلاً عن الشهامة والصرامة والحمية الصادقة والخصائل التي فقدناها اليوم، فهي لا توجد لدينا، وإذا وجدت فإنما توجد بمثل أغلفة القوارير الفارغة من محتواها التي تلمع ويحسن مرآها من الخارج، ولكنها فارغة فقراء من الداخل لا تملك نفعاً لأحد ولا فائدة، ولا يمكن الحصول منها على دواء ولا غذاء، فإلى متى يطلي علينا الانخداع بكلمة المسلمين وخديعة الناس بها، وإلى متى نستمر في مجرد الانجراف في سيول المظاهر الجوفاء من مدنية الغرب دون الرجوع إلى الاستقاء من منابع ديننا وتراثنا وتاريخنا الذي عشنا في ظلالها الوارفة طويلاً.

(محمد الرابع الحسني الندوي)

 

×