براعم الإيمان! 01-16 ديسمبر 2019

براعم الإيمان! 16 نوفمبر 2019
28 نوفمبر, 2019
التخطيط والتعاون في العمل الدعوي
7 يناير, 2020

براعم الإيمان! 01-16 ديسمبر 2019

براعم الإيمان!

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحسد – أيها الأخ – قد أصبح اليوم ظاهرة متفشية يتعرض لها جميعُنا، ونتحدث بها في حياتنا اليومية، وعاطفةُ الحسد من أهمِّ العواطف التي تؤثر في الإنسان، وتتحكم في سلوكه وتعامله تجاه الآخرين، سواء كانت بالمعنى الاجتماعي أو على المستوى الفردي، والحسد يقشِر القلب كما تقشر القُراد الجلد فتمتصُّ دمَه، ولا نجد في الحسد إلا مشاعرَ الحقد والرغبة في الاستيلاء على ما يمتلكه الغير،أو حرمانه منه، وتدميره على أقل تقدير، وأما معنى الحسد اصطلاحاً فهو كراهة النعمة وزوالها عن المنعم عليه، قال الجرجاني: الحسد تمنِّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد، وقال الراغب: الحسد تمني زوال نعمة من مستحقّ لها، وربما كان مع ذلك سعيٌ لها في إزالتها.

وهناك – أيها الأخ – ألفاظ ذات صلة بمصطلح الحسد، منها: “الحقد” وهو غضب لزم كظمه لعجز عن التشفي، فاحتقن فيه والحسد ثمرته، و”الضغينة” وهي الحقد المصحوب بالعداوة، و”الغلّ” وهو الحقد الكامن في الصدر، و”الشماتة” وهي الفرح بما ينزل بالغير من المصائب، وهي ملازمة للحسد، و”العين” وهي النظرة التي ينظرها الإنسان لنفسه أو لغيره، إما حسداً أو إعجاباً وتؤثر سلباً بالضرر، كما كتب الكاتب المصري محمد محمد مستجاب في إحدى مقالاته المنشورة في مجلة “العربي” الكويتية.

والحسد – أيها الأخ – مؤثر لاضطراب في الشخصية، وهو حصيلة تحكُّم العديد من الانفعالات السلبية كالغضب والخوف والكراهية وعدم المقدرة على المواجهة، والضعف، والشعور بالعجز، وعدم الثقة بالنفس، قال الماوردي في كتابه “أدب الدنيا والدين”: اعلم أن الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن وإفساده للدين حتى لقد أمر الله بالاستعاذة من شرّه، فقال تعالى: “من شرّ حاسد إذا حسد” [الفلق:5].

والحسد – أيها الأخ – يؤلّد العداوة والبغضاء، و يسبب الألم، والضرر للأفراد، كما أنه يشعل حرائق الحروب والمعارك، ويتسبب في إراقة الدماء، والتخريب على مستوى الأمم والشعوب والقبائل.

وجاء ذكر الحسد في القرآن الكريم باعتباره شراً من الشرور التي يجب على المسلمين أن يستعيذوا بالله من ضررها، كما ورد ذمُّه في الأحاديث النبوية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنه سيصيب أمتي داء الأمم” قالوا: وما داء الأمم؟ قال: “الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج”.

وقيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قال كلُّ مَخْمُومِ القلبِ صَدُوقِ اللسانِ، قالوا:صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ”.

وقال معاوية رضي الله عنه: ليس من خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسدَ قبل أن يصل إلى المحسود، ويقول: كلُّ الناس أقدرُ على رضاه إلا حاسدَ نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها، ولذلك قيل:

كل العداوة قد ترجى إماتتها

إلا عداوة من عاداك عن حسد

وقال بعض السلف: الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلاً، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضاً، ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولاً، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا.

فعلينا – أيها الأخ – أن نزكى قلوبنا وصدورنا ونطهرها تطهيراً من الصفات الخبيثة كالحسد والحقد والضغينة والغلّ، لنعيش حياة آمنة سعيدة يسودها جوُّ المحبة والألفة، وإن سلامة القلبِ وصِدق اللِّسانِ من أجلِّ الصِّفاتِ التي ينبغي أن يَتحلَّى بها كل مسلم، وهي مِن الصِّفاتِ التي يَتفاضَلُ فيها الناسُ، وهي مِن أعظمِ أسبابِ دخولِ الجَنَّةِ. فعن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلِقُ الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم”.

(محمد وثيق الندوي)

×