“عدالة الجرافات”: تهديد لسيادة القانون في الهند

هدم منزل رجل مسلم في ماديا براديش
23 سبتمبر, 2024

“عدالة الجرافات”: تهديد لسيادة القانون في الهند

د/محمد سعود الأعظمي الندوي

في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة مقلقة في الهند تعرف باسم “عدالة الجرافات”، وهي تتعلق باستخدام الحكومة والسلطات المحلية للقوة المفرطة من خلال هدم منازل وأملاك الأشخاص المتهمين بارتكاب ما يخالف القانون، دون مراعاة الإجراءات القانونية المطلوبة والمحاكمة. هذه الممارسات، التي تُنفذ غالبًا ضد أقليات معينة، تمثل تهديدًا حقيقيًا لسيادة القانون ومبادئ العدالة.

المحكمة العليا الهندية اتخذت مؤخرًا موقفًا واضحًا ضد هذه الممارسات، حيث تساءل القاضي ب.ر. غاڤائي: “كيف يمكن هدم منزل أي شخص فقط لأنه متهم؟”. بغض النظر عن خطورة التهم الموجهة، يجب أن يظل كل فرد بريئًا حتى تثبت إدانته، ويجب أن يتم التعامل معه وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في القانون.

تكرر هذا الأمر في حالات عديدة، أبرزها قضية جاويد محمد في ولاية أتر برديش عام 2022. حيث تم هدم منزله على الرغم من أن المنزل كان مملوكًا لزوجته منذ أكثر من عقدين، ولم يتم إصدار أي إشعار يتعلق بالبناء غير القانوني. كانت الحقيقة أن الهدم تم كرد فعل على نشاطه السياسي المزعوم. المحكمة العليا آنذاك أكدت على أن الهدم يجب أن يتم وفقًا للقانون وليس كوسيلة انتقامية. لكن، للأسف، هذه الكلمات لم تجد صدى على أرض الواقع. وإنما أصبحت سلاحًا تستخدمه بعض الحكومات الإقليمية، خاصة في الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، للانتقام من أشخاص ينتمون إلى الأقليات الدينية. هذا الاستخدام الانتقامي لهذه الأداة يعكس انحرافًا خطيرًا عن المبادئ الديمقراطية والقانونية التي ينبغي أن تحكم تصرفات الحكومة.

في ماديا براديش، تم هدم مبنى زعيم سياسي مسلم بحجة البناء غير القانوني، وفي راجستان، تم هدم منزل عائلة ولد مسلم غير بالغ السن،على الرغم من وجود منازل أخرى في المنطقة، كان منزل العائلة المستهدف الوحيد، مما يعزز الشكوك بأن الهدم لم يكن مجرد إجراء قانوني.

الخطورة تكمن في أن “عدالة الجرافات” أصبحت وسيلة لقمع المعارضة وفرض السيطرة على فئات معينة من المجتمع. من المعروف أن معظم الضحايا في هذه الحالات هم من الأقليات الدينية. هذه الممارسات تعزز الإحساس بالظلم وتعمق الانقسامات المجتمعية. وفي الوقت الذي يتم فيه تطبيق هذه الممارسات على فئة معينة، فإن ذلك يهدد مبدأ المساواة أمام القانون، وهو أحد أسس النظام الديمقراطي.

يجب أن نتذكر دائمًا أن العدالة لا تتحقق بالعقوبات الفورية أو الانتقامية، بل عبر اتباع الإجراءات القانونية التي تضمن حقوق الجميع. وكما قال القاضي غاڤاي: “حتى لو كان الشخص مدانًا، لا يمكن القيام بذلك دون اتباع الإجراءات التي يحددها القانون”. هذا هو أساس النظام القانوني الذي يضمن العدالة والمساواة للجميع.

×