الإسلام

الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر جبهاتها الحاسمة ومجالاتها الرئيسية
31 أكتوبر, 2023
الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر جبهاتها الحاسمة ومجالاتها الرئيسية (2)
28 نوفمبر, 2023

الإسلام

الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله الأمين، وعلي آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن الله تعالى قد تجلت حكمته بإتمام نعمته وتكميل دينه وشريعته على آخر نبيه وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، اختاره على رسله، وجعله خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وبعثه بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلي الحق، وسراجًا منيرًا، و رحمة للعالمين، منيرًا للسبل وهاديًا للكل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وبين للناس ما نزل إليهم، وفتح لهم كل كبير وصغير بأقواله السائرة المباركة وسيرته العطرة النيرة، بأسوته الحسنة الكاملة، وربى جماعة مباركة بخلقه القرآني، فكانتْ بِعثتُه صلى الله عليه وسلم بعثة عالمية، تحيط بالزمان والمكان، وبعث الله تعالى معه جماعة مباركة، فبعثته مقرونة -كما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم- في مواقف مختلفة،فقال:”إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين.”(سنن النسائي: 56)

وذكره الإمام الدهلوي في كتابه “حجة الله البالغة” فقال:”أعظم الأنبياء شأنًا من له نوع آخر من البعثة أيضًا، وذلك أن يكون مراد الله تعالى فيه أن يكون سببًا لخروج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يكون قومه خير أمة أخرجت للناس، فيكون بعثُه يتناول بعثًا آخر. وإلى الأول وقعت الإشارة في قوله تعالى: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم” وإلى الثاني في قوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس.” وقوله صلى الله عليه وسلم: “فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” ونبينا صلى الله عليه وسلم، استوعب جميع فنون المفهمين، واستوجب أتم البعثين، وكان من الأنبياء قبله من يدرك فنا أو فنين ونحو ذلك.”  (حجة الله البالغة: 1/156)

فالله عزوجل جعل رسوله خاتم النبيين وشريعته خاتمة الشرائع، فقال تعالى:

“اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.

فهذا هو الإسلام، الدين الكامل الحنيف، العميق الواسع، المشرق المنير، الأصيل المستقل، المكافح المناضل، الشامل لجميع نواحي الحياة البشرية  بجامعيتها واعتدالها، وأصولها ونواميسها وحيويتها وفيضانها. دين محمد عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين وإمام المرسلين، فهو الذي أسس قوائمه، وجعله متينًا رزينًا، هذا هو الإسلام إسلام محمد عليه الصلاة والسلام، أخذه منه أصحابُه كاملا مكملا بغير أي ضعف ونقص، اختارهم الله تعالى لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم قدوة مثالية بعد نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:

“ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.”

والمؤمنون في هذه الآية عند نزولها صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه وحفظ دينه وشريعته، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وشهد لهم برضاهم فقال: “والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه”وكثير من الآيات تدل على فضلهم، وجعل الله هذا الدين متوارثًا جيلا عن جيل، صافيًا نقيًا كما قال صلى الله عليه وسلم:

“يحمل هذا العلم من كل خلف عدولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.”(كنز العمال: 28918)

فهذا هو الإسلام في الحقيقة؛ إسلام القرآن وإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإسلام صحابته رضي الله عنهم، وأخذ عنهم السلف الصالحون، وتوارثوه جيلا عن جيل إلي يومنا هذا،لا إسلام الشرق ولا إسلام الغرب، لا إسلام المتعنتين الغالين، ولا إسلام المسالمين المتساهلين، بل إسلام أمة الوسط التي تتوسط بين الأمم، ولها دور في العالم، وهذا هو الإسلام مفخرة للعرب والعجم، وفلاح للإنسانية، وهذا هو الفوز المبين.

واختار الله العرب لحمل رسالة هذا الإسلام، فلا عِزَّ لهم إلا بالإسلام، وهم حواريو النبوة الصادقة الخاتمة،قال شيخنا الإمام أبو الحسن الندوي في أحد حواره مع الصحفيين:

“إذا كان العرب اليوم يملكون النفط، وهو هدية الأرض إلى الأرض، فإنهم يملكون ما هو أعز وأغلى وأعلى، ألا وهو الإيمان، وهو هدية السماء، وهدايته إلي الأرض.

ولذلك فإن حبي وشغفي بالعرب لا يخرج أبدًا من منظور قومي ضيق، أو عرقية بالية إنما يخرج من مشكاة النور التي حباهم الله تعالى بها، واختص أرضهم ولغتهم بالرسالة الخاتمة، والكتاب الخاتم، وعليهم أن يرتفعوا إلى هذا الأفق المضئ من جديد، ليفكروا للدنيا كلها بدلاً من أن يفكروا لأنفسهم.

ولقد صدق شاعر الإسلام الكبير الدكتور محمد إقبال حين قال: لا عجب إذا انقادت لي النجوم، وخضعت لي الأفلاك والكواكب، فقد ربطت نفسي بركاب سيد الخلق، العظيم الذي لا يأفل نجمه، ولا يعثر جده، إمام الرسل البصير بالسبل، الذي وطأت قدمه الحصباء، فأصبحت إثمدًا يكتحل به السعداء، وهل للعرب أشرف وأغلى من ذلك؟”.

(نصائح وتوجيهات للشباب المسلم: 28–29)

وكذلك كتب شيخنا رحمه الله تعالى وصية للعرب فقال:

“لو جمع لي العرب في صعيد واحد، واستطعت أن أوجه إليهم خطابًا تسمعه آذانهم، وتعيه قلوبهم، لقلت لهم: أيها السادة! إن الإسلام الذي جاء به سيدُنا محمدُ العربيُّ صلى الله عليه وسلم، هو منبع حياتكم، ومن أفقه طلع صبحكم الصادق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم، وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم – بل وكل خير جاء العالم – فإنما هو عن طريقه وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه وتمسُّككم بأذياله والإضطلاع برسالته، والإستماتة في سبيل دينه، ولا رادَّ لقضاء الله ولا تبديل لكلمات الله، إن العالم العربي بحر بلا ماء كبحر العروض حتى يتخذ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم إمامًا وقائدًا لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام، كما نهض في العهد الأول.” (أيضا: 30)

أيها السادة! من مهلكات هذا العصر أن الإسلام ينسب إلي البلاد، وإلي الأفكار والقوميات، هذا إسلام أوربا، وهذا إسلام أمريكا، وهذا إسلام الغرب، وهذا إسلام لبرالي، وهذا إرهابي.

وكل ذلك في الحقيقة مكر ودهاء، وأقول لكم بكل صراحة أن الإسلام هو إسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، سيد البشرية، فيه عقيدة وعبادة، وسلوك واجتماع، وكل ذلك يلمع في أصل صورته، فهذا ثابت لا يتغير، كامل لا يتجزأ، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة” لا تؤثر فيه الأوضاع الإجتماعية والتطورات الحضارية والإنقلابات الفكرية والأحداث والثورات السياسية أيما تأثير؛ لأنه مبني على الوحي السماوي، وتنوَّر بنور كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وعاش تحت ظلال النبوة التي لا دخل فيها للآراء الإنسانية التي تخطئ وتصيب، والتجارب العلمية التي تنجح وتخفق، والأفهام البشرية التي تختلف مداركها ومستوياتها، “وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا”إنما المحافظ على حقيقة الإسلام ونقائه وصفائه وإزالة الغبار على جوهره، والإستماتة دونه، وإيثاره على كل من عداه؛ من مذاهب ونظريات وميول ونزعات،

من وظيفة هذه الأمة ومن مسؤليتها الكبرى، وهذا هو الأساس المقرر في الإسلام المفهوم المعلوم عند الصحابة الكرام المسجل المضمون في الحديث والقرآن والمطلوب من العبد المؤمن أن يعض على هذا الأساس بالنواجذ، فهي المحجة البيضاء التي ورد ذكرُها في الأحاديث،فلابد لنا أن نرجع إلى أصلنا، وندعو إلي هذه الحقيقة، ونكون خير ممثل للإسلام الحقيقي الخالد الذي هو هدي للناس، ورحمة للإنسانية.

×