انهيار المعيار الأمريكي
19 سبتمبر, 2023الإسلام
31 أكتوبر, 2023الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر جبهاتها الحاسمة ومجالاتها الرئيسية
العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي
إن موضوع الدعوة موضوع مطروق معالج كثرت عنه الأحاديث وازدحمت فيه الكتابات والبحوث خصوصاً في الزمن الأخير، وتكونت فيه مكتبة ذات قامة وقيمة، فأريد أن أحدد بحثي في الحديث عن جبهات الدعوة الحاسمة، ومجالاتها الرئيسية، المقررة لمصير العالم الإسلامي، فضلاً عن مسيرة الدعوة، وأركز على النقاط المختارة العلمية (في ضوء دراساتي القاصرة، وفي ضوء الواقع وتجارب الماضي) لحماية الأقطار الإسلامية من التحديات والفتن، وبالله التوفيق.
1–تحريك الإيمان في نفوس الشعوب والجماهير المسلمة، وإثارة الشعور الديني فيها، فإن تمسك هذه الشعوب والجماهير بالإسلام وتحمسها له، وهو السور القوي العالي الذي يعتمد عليه في بقاء هذه البلاد، وكثير من القيادات وحكومات العالم الإسلامي في حظيرة الإسلام، وهي مادة الإسلام ورأس ماله، والخامات الكريمة التي تستخدم لأي غاية نبيلة، وهي من أقوى المجموعات البشرية وأحسنها سلامة صدر وقوة عاطفة، وإخلاص.
وذلك مع تحقيق الشروط، والصفات التي تستحق بها هذه الشعوب النصر من الله، والتغلب على المشكلات، والانتصار على العدو، كتصحيح العقيدة، وإخلاص الدين لله، والابتعاد عن كل أنواع الشرك والعقائد الفاسدة، والعادات الجاهلية، والتقاليد غير الإسلامية، وعن النفاق، والتناقض بين العقائد والحياة، والقول والعمل، وسير الأمم القديمة التي استحقت بها عذاب الله وخذلانه، وكذلك سيرة الأمم المعاصرة التي نسيت الله، فأنساها نفسها، وقادت العالم إلى النار والدمار.
هذا مع تنمية الوعي الصحيح وتربيته والفهم للحقائق والقضايا، والتمييز بين الصديق والعدو، وعدم الانخداع بالشعارات والمظاهر، حتى لا تتكرر مآسي وقوع هذه الشعوب فريسة للهتافات الجاهلية، والنعرات القومية، أو العصبيات اللغوية والثقافية، ولعبة القيادات الداهية والمؤامرات الأجنبية، فتذهب ضحية سذاجتها وضعفها في الوعي الديني والعقل الإيماني.
2–صيانة الحقائق الدينية والمفاهيم الإسلامية من التحريف ومن إخضاعها للتصورات العصرية الغربية، أو المصطلحات السياسية والاقتصادية، والتجنب عن تفسير الإسلام تفسيراً سياسياً بحتاً، والمغالاة في “تنظير الإسلام” وضعه على مستوى الفلسفات العصرية والنظم الإنسانية، لأن هذه الحقائق الدينية هو أساس للإسلام الدائم، والأصل الذي منه البداية، وإليه النهاية، وإليها كانت دعوة الأنبياء، وفي سبيلها كان جهادهم وجهودهم، وبها نزلت الصحف السماوية.
الحذر من كل ما يقلل من قيمة الصلة بين الله والعبد والإيمان بالآخرة وأهميتها، ويضعف في المسلم عاطفة امتثال أمر الله وطلب رضاه، والإيمان والاحتساب والقرب عند الله تعالى، وهذا التحول يفقد هذه الأمة شخصيتها، وقوتها وقيمتها عند الله، وكذلك الحذر من كل ما يقلل من شناعة الوثنية العقائدية، والشرك الجلي والعادات والعبادات الجاهلية، والاكتفاء بمحاربة النظم والتشريعات والحكومات غير الإسلامية، فإن ذلك يتجه بهذا الدين عن منهجه القديم السماوي إلى المنهج الجديد السياسي.
3–تقوية الصلة الروحية والعقلية والعاطفية بالنبي صلى الله عليه وسلم والحب العميق له، الذي يؤثره على النفس، والأهل والولد، كما جاء في الحديث الصحيح، والإيمان به كخاتم الرسل، وإمام الكل، ومنير السبل، والحذر من كل العوامل، والمؤثرات التي تسبب تجفيف منابع هذا الحب، وإضعافه على الأقل وتحدث جفافاً في الشعور، وضعفاً في العمل بالسنة، وتجرؤا في القول، وانصرافاً عن الافتخار به، والولوع بدراسة سيرته، وكل ما يحرك هذا الحب ويغذيه ولعل البلاد العربية (بفعل أحداث، ودعوات قومية) أحوج إلى العناية بهذه النقطة، وأحق بها من غيرها، ففيها كانت البعثة المحمدية، وفي لغتها نزل القرآن ونطق الرسول.
4–إعادة الثقة في نفوس الطبقة المثقفة، ومن بيدهم القيادة الفكرية والتربوية، والإعلامية في البلاد والحكومات الإسلامية بصلاحية الإسلام وقدرته، لا على مسايرة العصر وتطوراته، وتحقيق مطالبه، بل على قيادة الركب البشري إلى الغاية المثلى، وتجديف سفينة الحياة إلى بر السلام والسعادة، وإنقاذ المجتمع البشري من الانهيار والانتحار الذي تعرض لهما تحت القيادة الغربية الخرقاء، وأنه ليس “بطارية” قد نفدت شحنتها، أو ذبالة قد نفد زيتها واحترقت فتيلتها، بل هو الرسالة العالمية الخالدة، وسفينة النجاة التي هي كسفينة نوح، لا ينجو إلا من ركبها.
إن ضعف هذه الثقة، أو فقدها هو داء هذه الطبقة المثقفة الناشئة في أحضان الثقافة الغربية، أو تحت ضغطها، وهو المسئول عن كل تصرفاتها وسبب الردة الفكرية والحضارية، والتشريعية التي تكتسح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وتعاني منه الشعوب المسلمة – التي لا تفهم إلا لغة الإيمان والقرآن، ولا تتحمس إلا للإسلام – وسبب حدوث هذا الخليج العميق الواسع بين القيادات والحكومات والشعوب والجماهير، وسبب القلق الذي يساور النفوس، ويستهلك القوى والطاقات في ما لا يعود على الأمة والبلاد بفائدة. (يتبع)