أيسرُ طريق للتخلُّص من القلق والحيرة
19 سبتمبر, 2023الوضع الكارثي في غزة والعالم المتحضر
28 نوفمبر, 2023الحلقة المفقودة في المجتمع
د . محمد وثيق الندوي
إن الإسلام دين كامل متكامل يشمل سائر جوانب الحياة الإنسانية والمجتمع الإنساني، وقد وردت فيه تعاليم صارمة تؤكد على التخلُّق بالأخلاق الإسلامية والتأدُّب بالآداب القرآنية، وتمنع عن كل ما يكدِّر صفو الحياة الآمنة المتحابة السعيدة، ويحدث جوَّ العداء والكراهية والشحناء، فقد أرشدت سورة الحجرات إلى آداب المجتمع الإسلامي وأشادت بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال فجاء:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ “(الحجرات:6) وجاء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” [الآية:11-12].
فهذه الآيات توجب التثبُّت من الأخبار المنقولة أخذاً بالحيطة والحذر ومنعاً من إيذاء الآخرين لأن المتسرِّع في الحكم والتصديق يصبح نادماً على العجلة وترك التأمل والتأني، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: التأني من الله والعجلة من الشيطان” ويصدق ذلك ما نشاهده هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والواتساب وتويتر وانستاغرام وشبكات الإنترنيت، من أكاذيب وشائعات ينقلها الناس بدون النظر إلى مصدرها والتثبت منها، فيقع الفساد والعداء بين أفراد المجتمع.
وإذا تأملنا في القرآن الكريم نجده يعلِّم أتباعه آداباً وأخلاقاً ينشأ بالتزامها مجتمعٌ آمنٌ يسوده جوُّ الأخوة والمحبة، كما أنه يمنع من أعمال تكدِّر العلاقات الأخوية، وتفسد جوّ المحبة والأخوة، ولذلك منع من الرذائل مثل السخرية والاستهزاء والازدراء والغيبة والنميمة والهمز واللمز والتجسُّس والتحاسد والتدابر والتقاطع وسوء الظن، وهذا الأخير أكثر الأمراض تفشياً اليوم في الناس، وهذا المرض جعل الحياة السعيدة جحيماً، كلُّ شخص يسيء الظن بالآخر بما تصل إليه من أخبار أو شائعات بدون تحقيقها والتثبت والتأكد منها، فسوء الظن أم الأمراض الخلقية التي تفشت في المجتمع اليوم حتى أن المحيط الديني ليس بنجاة منه فبالتالي ينشأ التحاسد والتباعد والعداء.
فلابدّ أن نحترز عما يفسد العلاقات الأخوية، ويحدث العداء والكراهية والتباعد، وأن نلتزم بما جاء في الكتاب والسنة من إرشادات وتوجيهات وتعاليم توطِّد العلاقات بين المؤمنين، وتؤكد على التوادُد والتراحُم والتعاطُف والتعاون، والرحمة والعفو والصفح، فقال صلى الله عليه وسلم:”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وقال: “من لا يَرحم لا يُرحم”، وقال: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة”، وقال: “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” وقال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، المهاجر من هجر ما نهى الله عنه”، وقال:” لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً”، وقال:” لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث”، وقال: “إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”، وقال: “إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم”، وقال: “إياكم الظن فإن الظن أكذب الحديث”، وقال:” بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم”، وقال: “قال رجل والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأهبطت عملك”، وقال: “من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه”.
فهذه التوجيهات النبوية الكريمة إذا التزم بها المؤمن لوُجِد ذلك المجتمع الإسلامي المنشود الذي لا نجده هذه الأيام بسبب تفشِّي الأمراض الخلقية في المجتمع الإسلامي بجرّاء الحضارة المادية الجامحة وغياب التربية الرشيدة حتى في أوساط حملة العلم الديني وهم في سبيل التعلُّم أو التعليم أو الدراسة والتدريس وقلوبهم ملآى بما نهى عنه الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، ولذلك أصيب المجتمع الإسلامي بالذل والهوان والضعف، وإن الحسد وسوء الظن والغيبة والتدابر تنخر جسد الأمة الواحدة، فما أحسن أن نقوم باختيار محاسن الآداب ومكارم الأخلاق الإسلامية التي أرشد إليها القرآن الكريم والحديث النبوي.
وإن المجتمع الإسلامي اليوم مجتمع الصراعات والخلافات والعداوات التي تؤدي إلى تفكُّك الوحدة،وذهاب الريح، يعتدي فيه الأخ على أخيه، والقوي على الضعيف، ويسلب حقوقه، ويعيش كل شخص في حالة شك وارتياب، لا يثق فيه أحد بغيره، ولا يعتمد عليه، يعم فيه الصراع والتحارب والتخاصم، وتشيع الفحشاء وانتهاك الحقوق،لأنه يعيش بدون الالتزام بالمبادئ والآداب الإسلامية، وبدون رعاية الحقوق والواجبات، لفقدان الوعي الديني الإسلامي الصحيح في المجتمع، وبدون إحداث هذا الوعي الإسلامي واليقظة الدينية لا يمكن بناء المجتمع الإسلامي وإصلاحه، ولا يمكن إنقاذه مما يهدد كيان المجتمع من انحرافات، وفهم خاطئ للإسلام، و شرح مضلل لتعاليمه .