تحرير العالم من الأوربيين
18 يونيو, 2022قصة مواطن أمريكي
عبد الرحمن يوسف
سأحكي لك اليوم عن قصة المواطن الأمريكي “جيمس فيرون”..
ذلك الرجل البسيط، المكافح، المطحون تحت أقدام المدنية الحديثة في عصر الشركات العابرة للقارات، يعيش في ولاية كارولينا الشمالية، أضاع عمره يجري خلف لقمة عيشه في مجتمع يمنح كل من فيه حلما -غالبا لا يتحقق- ببيت فيه زوجة وأبناء، وسيارة “فان”، وحديقة، وكلب..
عمل “جيمس” سائق شاحنة لشركة كوكاكولا لمدة سبعة عشر عاماً، وفي النهاية أقيل من وظيفته، واستغنت الشركة عن خدماته، وبذلك أصبح بلا مظلة تأمينية، وأصبح وحيدا في هذا المجتمع الذي تسيره الشركات الكبرى، ولا مكان فيه للتراحم، فإما أن تكون تحت مظلة مؤسسة، وإما أن تكون في كفالة نفسك، إلا أن تكون -لسبب ما- تحت كفالة الدولة، الدولة تغنيك عن هذه الشركات..
بحث “جيمس” عن عمل جديد، وظل لعدة سنوات يبحث، ولا يستقر له مقام في عمل جديد، ومع مرور الأيام أصبح عاطلا، وأنفق كل مدخراته البسيطة، ثم كانت الطامة الكبرى حين أصيب بانزلاق غضروفي وهو في أواخر العقد السادس من عمره، وتلت ذلك أمراض أخرى، مثل التهاب في المفاصل الذي كان يسبب له آلاما لا طاقة له بها. وكل هذه المشاكل لا يستطيع أي إنسان عادي أن يتحمل تكاليف علاجها، فهي تحتاج إلى تأمين صحي يتكفل بها..
مع مرور الوقت، ومع تجدد آلامه، ومع انسداد الأبواب، وفقدان الأمل في الحصول على وظيفة، قرر السيد “جيمس” أن يقوم بعمل يائس، متهور، ولكنه في الحقيقة محسوب بدقة..
في الوقت الذي يحصل أي مجرم عتيد في الإجرام في أي مكان في العالم على الرعاية الصحية المجانية حين يصبح سجينا في سجن حكومي.. يتعرض الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إلى عملية قتل ممنهجة على يد عصابة تحكم مصر بالحديد والنار، فيُترك أياما في زنزانته الانفرادية يتعذب بأزمات قلبية متتالية
استيقظ مبكرا في صباح التاسع من يونيو عام 2011م، خرج من منزله بمدينة “جاستونيا”، وتوجه إلى البنك، وقف أمام الصراف وأعطاه ورقة مكتوب فيها: “هذه عملية سطو، أعطني دولارا واحدا”!
من الناحية القانونية التقنية.. يعتبر ما قام به السيد “جيمس” جريمة سطو، ولا فارق إذا كان المبلغ المسروق دولارا أو مليون دولار.. أخذ السيد “جيمس” الدولار، وجلس منتظرا الشرطة، وبالفعل قُبض عليه، وأودع السجن.. وفي السجن أصبح هذا المواطن الأمريكي المتهم بجريمة سطو تحت مظلة التأمين الصحي للدولة، فهو في سجن فيدرالي حكومي..
قبل عملية “السطو” أرسل “جيمس” رسالة مؤثرة إلى صحيفة “جستون غازيت” يقول فيها: “عندما تصلكم هذه الرسالة.. سأكون قد ارتكبت جريمة سطو على بنك، سأسرق دولارا واحدا لا غير، صدقوني أنا سليم العقل.. ولكن جسدي ليس كذلك”!
حين دخل السجن أرسلت الصحيفة مراسلها للقائه في سجن مقاطعة “جاستون”، وكانت المفاجأة أن “جيمس” قد حقق هدفه بالفعل، وأنه بدأ العلاج على نفقة الدولة -لأنه سجين في سجن حكومي- بمستشفى “جاستون ميموريال”، وأنه يتمنى أن تكفل له عملية السطو تلك عقوبة تصل لمدة ثلاث سنوات، لكي يتمكن من إجراء عملية جراحية لعلاج ظهره..
أخبر “جيمس” الصحيفة أنه تحمل آلاما كثيرة في ظهره، وأنه من شدة الألم أصبح يعرج، ولا يكاد يستطيع أن يمشي على قدميه، وأنه حين فوجئ بورم في صدره أدرك أنه يجب عليه أن ينقذ نفسه بأي طريقة.. ولم يجد طريقة أخرى إلا تلك.
وفي صباح ذلك اليوم من حزيران/ يونيو عام 2011م، دفع “جيمس” إيجار منزله، وتبرع بأثاثه، ثم استقل سيارته إلى البنك ليسطو على ذلك الدولار الذي يكفل له التأمين الصحي، والعلاج المجاني!
فجرت تلك الحادثة نقاشا كبيرا داخل المجتمع الأمريكي حول تكاليف التأمين الصحي، وحول ملايين المواطنين الذي لا تغطيهم مظلة التأمينات.. وما زال الجدل مستمرا إلى اليوم.