منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (12)

الشيخ مسعود علي الندوي
7 سبتمبر, 2022
منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (13)
6 أكتوبر, 2022

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (12)

الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي

منهج دعوته يبني على التفريق بين العقيدة والعمل

إذا قمنا باستعراض منهج الشيخ الندوي في دعوته لرجال السياسة وأصحاب الحكم وجدناه قائما على الحكمة المفعمة بالجرأة، وعلى أسلوب الرفق المجرد عن المجاملة، وعلى التعبير اللطيف البعيد عن شوائب الإيهام واسترضاء النفوس، فقد كان صريحا في شرح العقيدة والثوابت الإيمانية، شديد الإنكار على النظريات اللادينية والفلسفات الغير الإسلامية، لأنه كان يرى العقائد المنحرفة والأفكار المضلة مفسدة للعقول والقلوب، فلا يثنيه في إرادة نقده شيئ من غضب الناس عليه، ولا يمنعه لومة لائم، فهو يوجه انتقادات لاذعة دون تردد ولامحاباة، وإنما يرى علاج المرض لازما عليه، فيرشد إلى ما ينطوي عليه الفكر الفاسد من الأضرار الخطيرة دون مهابة ولا خوف.

ويتجلى ذلك بكل وضوح في استنكاره الشديد على مصطفى كمال أتا ترك ونقده على مواقفه السلبية نقدا لاذعا، وليس ذلك إلا لأنه كان يرى مواقفه الإصلاحية في تركيا منحرفة ضالة ومضللة للشعب التركي والعالم الإسلامي، إقرأ على سبيل المثال ما كتبه الشيخ الندوي في كتابه الشهير ” الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية” ناقدا على الفلسفات الغربية وثائرا على مواقف مصطفى كمال وأمثاله من زعماء العالم الإسلامي وساسته:

“وكان يتسلى( مصطفى كمال باشا) بالخمر ويشغل نفسه بها فإنه لا يجد ما يسلي به نفسه وروحه كالإيمان بالله واليوم الآخر، لأنه كان لا يؤمن بهما، وكان لا يشعر بفرح وسرور حين يعتدي على الآخر ويسطو به، وكانت هذه طبيعته التي فطر عليها وقد تجلت هذه الطبيعة في تصرفاته، ولم يكن يعترف بعواطف غيره، لأنه لا يرى أحدا يوازيه، وكان مفطورا على حب التغلب على الآخرين وإخضاعهم لإرادته وهواه، وكان يحب أن يبقى على القمة دائما”. (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية: 53)

وأضاف قائلا: ” قد اقتنع بأن كفاحه يجب أن يوجه إلى الدين، فإنه الأكبر، وكان يعتقد من صغره أنه لاحاجة إلى الله، إنه اسم غامض خداع مجرد عن كل حقيقة، وكان لا يؤمن إلا بالمشاهد المحسوس، وكان يرى أن الإسلام إنما ظل عاملا هداما في الماضي، وأنه قد جنى على تركيا جناية كبيرة، وألحق بها خسائر فادحة”. (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية: 54).

 ولما تربع على عرش تركيا قام بتحويل وجهة تركيا إلى اللادينية، وألغى نظام الخلافة، وحطم الأساس الديني، وألقى الشيخ الندوي الضوء على مواقفه السلبية بإيجاز يقول:

“إنه انتصر على الشعب حقا، فقد جعل الدولة علمانية، ليس الإسلام دينها الرسمي، أحدث الفصل بين الدين والسياسة وقرر أن الدين قضية شخصية، لكل فرد أن يختار له دينا ويدين به، من غير أن يكون له دخل في السياسة والإرادة، وألغى المحاكم الشرعية وقانون الشريعة الإسلامية، وقرر العمل بالقانون المدني السويسري، والقانون الجنائي الإيطالي، والقانون التجاري الألماني، وأدخل الأحوال الشخصية في القانون المدني الأوربي، ومنع التعليمي الديني، وعطل مراكزه، ومنع الحجاب، وقرر السفور والتعليم المختلط، وألغى الحروف العربية وأبدلها بالحروف اللاتينية ومنع الأذان بالعربية وجعله بالتركية وغير اللباس، وألزم لبس القبعة وبعبارة موجزة: “قد حطم الأساس الديني وغير وجهة نظر الشعب التركي والحكومة التركية. (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية: 59)

قام الشيخ الندوي ثائرا على نزعة القومية العربية لكونها مخالفة لروح القرآن القرآن وروح الشريعة الإسلامية فوخز بخطبه المدوية المجلجلة زعماء القومية العربية، وعبيد النزعة العصبية وأسراء التقاليد الجاهلية، فضح سرائرهم، وأنت ضمائرهم، وحطم أصنام الجاهلية التى نحتوها بأيديهم، والأفكار الباطلة التي نسجتها أهواؤهم، أفرغ جهده كله على إبطال هذه المعتقدات الباطلة والنزعات الجاهلية بكل قوة وأسلوب ثائر كأنه أسد الشرى، فقلمه –حين يكتب ساخطا على القومية وناقما عليها- ينقلب صارما مسلولا على أعناق الأعداء، ويتحول هو بركانا يرسل شواظا من النيران، فصدر منه ما لا يلائم طبيعته من القول الشديد والكلام الغليظ، وإنما ذلك دفاعا عن حوزة الإسلام، وأنفة لروح الشريعة، وغيرة على الدين العالمي، لأنه سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوهن بهن أبيه ولا تكنوا”.

يرى الشيخ الندوي العصبية بكل أشكالها وأنواعها مما يوهي الاتحاد الإسلامي وويضعف الأخوة الإيمانية ورابطتهاالآفاقية، وكان يقول: “لا علاقة للعصبية القومية بالدين الإسلامي وطبيعته الآفاقية”.

ولما برز الرئيس جمال عبد الناصر في ساحة مصر كزعيم للقومية العربية ونفخ في العرب روح العصبية حتى ظن العالم العربي بأنه ” نبي القومية العربية” وأشادت به وبمكانته الصحف العربية وتغنت بأمجاده ومآثره نحو التقدم بالوطن والارتقاء بالأمة العربية، نهض الشيخ الندوي في تلك الفترة الرهيبة ثائرا على هذه النزعة الجاهلية، ونصب لجماعات القومية وزعمائها يفند الدعاوي الباطلة والمزاعم السفيهة بدليل من القرآن ونور من الحق، وينادي بشهاب من اليقين الثابت على آفاقية الإسلام، وأثبت أن الرئيس الناصر يريد أن يوقع العالم العربي في هاوية سحيقة من اللادينية والالحاد والمادية حيث لا تقوم بعدها قائمة، وصب لمكافحة هذا الخطر جهوده كلها، واستخدم لسد هذه الفتنة التي اكتسحت العالم العربي والإسلامي كل ما يملكه من قوة البيان والقلم السيال والعاطفة الإيمانية القوية ما بعث الناس على الحيرة والاستعجاب، وذلك لكونه وطيد الصلة بالعالم العربي، قوي الاعتراف بفضله شديد الحب له، كثير الهيام به، وكان أكثر الناس متابعة لأحواله وظروفه.

×