الأم جوهرة الحياة
7 سبتمبر, 2022قيمة الإنسان الحقيقية
6 أكتوبر, 2022سرسعادة الإنسان
(محمد خالد الباندوي الندوي)
أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإنسان – أيها الأخ – هو من يأنس بغيره، ويأنس به غيره، فإنه يألف ويؤلف، ليس متوحشا يعيش في الغابات والصحاري منطويا على نفسه ومنقطعا عن العالم البشري بعيدا عن أحواله، إنما كائن حي من طبيعته مقاسمة هموم بني جلدته ومسراته ومشاطرة أفراحه وأتراحه، لذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الحقيقي بأنه هو من يخالط الناس ويصبر على أذاهم، فإن من نأى عن أخيه، أو عاش متغافلا عن أحواله فقد خالف الفطرة التي فطر عليها، ولا يكون له نصيب من متعة العيش، ونجد في تاريخنا الإسلامي روائع القصص التى تحثنا على مخالطة بني آدم في أفراحه وأحزانه، وتعرفنا متعة الحياة الحقيقة ومنها ما رواه ابن عساكر في تاريخه:
“إن البادية قحطت زمن هشام بن عبد الملك، فقدمت وفود العرب من القبائل؛ فجلس هشام لرؤسائهم، فدخلوا عليه، وفيهم درباس بن حبيب وله أربع عشرة سنة، عليه شملتان، له ذؤابة، فأحجم القوم وهابوا هشاماً، فوقعت عين هشام على درباس فاستصغره، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يصل إلي إلا قد وصل حتى الصبيان! فعلم درباس أنه يريده، فقال يا أمير المؤمنين، إن دخولي لم يضرك ولا أنقصك، ولكنه شرفني، وإن هؤلاء قدموا لأمر فأحجموا دونه؛ وإن الكلام لنشر، وإن السكوت طي لا يعرف إلا بنشره؛ قال: فانشر – لا أبالك – وأعجبه كلامه. فقال: إنه أصابتنا سنون ثلاث، فسنة أكلت اللحم، وسنة أذابت الشحم، وسنة أنقت العظم؛ وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله عز وجل ففرقوها على عباد الله، وإن كانت لهم، فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها، فإن الله عز وجل يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، يا أمير المؤمنين! أشهد بالله لقد بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، وإن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة له إلا بها. فاحفظ ما استرعاك الله عز وجل من رعيته. فقال هشام: سمعاً لمن فهم عن الله وذكر به؛ ثم قال هشام: ما ترك الغلام في واحدة عذراً. ثم أمر أن يقسم في أهل البوادي ثلاث مئة ألف، وأمر لدرباس بمئة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ارددها إلى جائزة المسلمين فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفايتهم؛ قال: فما لك حاجة؟ قال: تقوى الله عز وجل، والعمل بطاعته؛ قال: ثم ماذا؟ قال: مالي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين”. (تاريخ دمشق لابن عساكر: 5/225)
عرف ابن حبيب – أيها الأخ – بأن الرجل الذي يقصر تفكيره على نفسه لا ينال من الحياة شيئا يذكر، بل أجدر به أن يكون شقيا تعسا، وأما الرجل الذي يسعى لأخيه حتى ينسى نفسه في معاونته واجتلاب الخير له، فينال متعة الحياة الحقيقية، فأنت إذا شئت أن تستخلص من الحياة المتعة، فعليك أن تضرب بسهم وافر في اجتلاب المتعة للآخرين، فإن سرور حياتك مربوط بسرور أخيك، وسروره مربوط بسرورك.