الحاجة إلى محاسبة النفس
17 أغسطس, 2021وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
5 أكتوبر, 2021الوحدة والانسجام
محمد الرابع الحسني الندوي
إن العالم الإسلامي كيان يتركب من أجزاء مختلفة في طبيعة بلدانه و أقطاره، وأمزجة أبنائه وشعوبه،وفي الثقافات واللغات التي تسود في أطرافه، ولكن بقيت هذه الأجزاء كلها في أدوار تاريخها الإسلامي مترابطة فيما بينها، متعاونة في فهم مشكلاتها،والاهتمام بقضاياها، وقد كان ذلك اتباعًا للإرشاد النبوي الجليل والروح الأخوية الكريمة التي أوجدها في المسلمين نبيهم العظيم r بقوله : “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاَ”( صحيح البخاري رقم: 6026 ، 2446 وصحيح مسلم رقم : 2585)، و”المسلمون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (صحيح البخاري رقم : 6011 ومسلم رقم : 2586).
وكان من أثر ذلك أن قضايا المسلمين كان يهتم بها في أدوارهم المختلفة بروح التعاون والاشتراك، وكانت تكسب من كل الأجناس و الألوان من العالم الإسلامي التأييد والانتصار، وقع ذلك في كثير من القضايا الإسلامية سواء كانت صغيرة في ضخامتها، أو كانت كبيرة، وسواء كانت محدودة في جانب واحد من بين الجوانب الكثيرة، أو كانت واسعة اتساع قضية عالمية كبيرة، وبه عدت الأمة الإسلامية في تاريخها السابق أمة مهيبة مرهوبة، ولكن هذه الهيبة والرهبة أصبحت في زمنها الأخير تخف وتضعف، وأصبحت الأمة الإسلامية تتحول من الشوكة إلى الهوان، ومن معالي العزة إلى منازل الاستكانة، ولم يكن كل ذلك إلا لفقدان الأمة الإسلامية أساس مهابتها، وشوكتها العظيم، وهي تلك الرابطة الإسلامية القوية التي دامت تجمع أجزاء الأمة الإسلامية في إطار واحد، وتحت آصرة أخوية واحدة .
لم يكن هذا الجمع والتوحيد سهلاً على الأمة الإسلامية إلا بتشبثها بالإيمان بالله والخضوع للأوامر التي أتى بها رسول اللهr فقد قال القرآن: ) وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين( ( آل عمران : 139)، وبه وحده استطاع المسلمون في كل أزمانهم من التاريخ أن يحرزوا العلو.
ولكنهم نسوا أو تناسوا في عهدهم الأخير هذا الشرط الأساسي لإحراز هذا العلو،و فقدت صفة التفاعل بين أجزائها، فأصبحت إذا أصيب جزء منها بمصيبة لا يتحرك لهذه المصيبة ساكن في جزء آخر من الأجزاء الشقيقة له، وزالت بذلك تلك الشوكة والرهبة التي امتازت بها الأمة الإسلامية من بين الأمم الأخرى في تاريخها، وفقدت امتيازها واختصاصها الذي عرفت به من بين الأمم الأخرى، وكسبت به خيراً كثيراً في التاريخ، وهو التعاطف والتعاضد والوحدة والانسجام.