أضاعُوني وأيَّ فتىً أضاعُوا

Test
26 يوليو, 2021
هِجانُ الحيِّ كالذَّهب المصفىَّ
5 أكتوبر, 2021

أضاعُوني وأيَّ فتىً أضاعُوا

الدكتور أبو سحبان روح القدس الندوي

شطر من البيت قاله العرجي وهو كما وصفه ابن قتيبة في “الشعر والشعراء” (ص: 387): “أشعر بني أمية”.

أما نسبة العرجي فهي إلى “العرج” وهو واد من بلاد الطائف، لا يزالُ معروفاً، وفيه قرية كبيرة، إليها ينسبُ الشاعر العرجي.

ضبطه السمعاني في “الأنساب” (9: 270): “بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخرها الجيم” ولم يُصب السمعاني في تعريفه حيث قال: “هو موضع بمكة”. فاستدرك عليه عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي (ت 1386هـ) المعتني بـ”الأنساب” قائلاً: “قرية جامعة في واد من نواحي الطائف”. والعرج اسم لأمكنة متعددة مفسَّرة في كتب المعاجم والجغرافية، وأمكنة البلاد، قال المجد الفيروزآبادي (729-817هـ) في “المغانم المطابة في معالم طابة” (ص: 251، ت الجاسر) في رسم العرج: “قرية جامعة في واد من أودية الطائف، وإليها ينسب العرجي الشاعر…”.

وهذا يصحِّح غلط المجد في قاموسه، فقد نسب العرجيَّ الشاعر فيه إلى العرج الذي بين مكة والمدينة، وهما”. 1هـ وفي “بلاد العرب” (ص: 29، ت الجاسر): “من بلاد الطائف واد يقال له العرج وهذا غير العرج الذي بين مكة والمدينة”.

واختلفوا في نسبه فذهب جماعة من المترجمين له هو: عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وبه قال صاحب “تاج العروس” في رسم العرج وصحّحه، وهو قول للمجد في قاموسه، واختاره الصفدى في “الوافي بالوفيات” (17: 384).

وساق الأصفهاني نسبه في “الأغاني” (1: 369) هكذا: “عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان….. إلخ” وهذا اختيار الزركلي في “الأعلام” (4: 246) وقول للمجد في “المغانم” كأنه رجع عما قاله في القاموس سابقاً وزاد الجاسر بين عمر، وعمرو “عبد الله” فصار نسبُ العرجى عند حمد الجاسر: “عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان”، والله أعلم. ولا يؤثر هذا الاختلاف إلا في نسب العرجى، دون شخصيته ومكانته في الشعر.

وقد اعتنى بأخبار العرجى وشوارد شعره أبو الفرج الأصفهاني (356-576هـ) في “الأغاني” (1: 369-404، ط: دار الفكر 1407هـ) بتفصيل واف، فكل من جاء بعد الأصفهاني وجمع أخبار العرجى استقاه، وها أنا اقتضب من “الأغاني” ما دبجه يراعُ صاحبه فيما يأتي:

“كان من شعراء قريش، ومن شُهر بالغزل منها، ونحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك، وتشبّه به فأجاد، وكان شغوفاً باللهو والصيد، حريصاً عليهما، قليل المحاشاة لأحد فيهما، ولم يكن له نباهة في أهله، وكان أشقر أزرق، جميل الوجه.

وشبَّب بأم محمد بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك، وكان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبة كانت بينهما، فكان ذلك سببُ حبس محمد بن هشام إياه وضربه له حتى مات في السجن”.

وأرّخ الزركلي وفاته نحو سنة مائة وعشرين من الهجرة، وزاد في وصف العرجى: “كان من الأدباء الظرفاء الأسخياء، ومن الفرسان المعدودين، صحب مسلمة بن عبد الملك في وقائعه بأرض الروم، وأبلى معه البلاء الحسن، وهو من أهل مكة، ولقب بالعرجى لسكناه قرية “العرج” في الطائف، وله ديوان شعر”. (الأعلام: 4/246) لعله طبع.

ومن شعره الذي اشتهر على ألسنة الأدباء والأعلام وأعجبهم فيما ذكره صاحب الأغاني:

أضاعوني وأيَّ فتى أضاعُوا

ليوم كريهة وسداد تغر

فصبراً عند معترك المنايا

وقد شُرعت أسنّتُها بنحري

أجرَّرُ في الجوامع كل يوم

فيا لله مظلمتي وصبري

كأني لم أكن فيهم وسيطاً

ولم تك نسبتي في آل عمرو

[سداد التغر بكسر السين: ما يسدّ به الثغر من خيل ورجال وغير ذلك من عدد الحرب، الجوامع جمع جامعة: وهي هنا الغُلُّ، مظلمتي: ظلمي، الصبر: الحبس، وسيط القوم: أوسطهم نسباً وأرفعهم مجداً، في آل عمرو: يريد به عمرو بن عثمان بن عفان].

أما شطر بيته: “أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا”، فقد ضمّنه(1) الحريري القاسم بن علي البصري (446-516هـ) في آخر المقامة الزبيدية” من مقاماته: (34)

على أنى سأنشد حين بيعي

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

وقد أودعها شيخنا الأديب أبو الحسن علي الندوي في القسم الثاني من “مختارات من أدب العرب”، ومن ثمّ حُفظ هذا الشطر منذ أيام التحصيل في وعائنا.

أما ورودُه في مختارات أبي تمام كما زعموا فلا أرى ذكره فيها بعد تنقيب.

الهوامش:

(1) التضمين يكون في بيت وفي شطر بيت، والشعراء يتولعون به كثيراً، وهو من صنعة البديع، قاله الشريسي في شرح مقامات الحريري (4: 142، ط: القاهرة)

×