أسخف خرافة ردَّدها الناس في التاريخ
21 سبتمبر, 2019حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيق عملي للشريعة الإسلامية
20 أكتوبر, 2019صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم هم النموذج الأفضل للحياة الإيمانية
إن ما نعرفه عن أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أنهم مجموعة طيبة مشرقة من أوائل المسلمين الذين أكرمهم الله بنعمة الإسلام على يد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فأسلموا على يده، وسعدوا برؤيته، وتشرفوا بلقائه، وتشبعوا بحبه، وأتيحت لهم الفرص للجلوس إليه، والتحدث معه، والاستشارة منه، شاركوه في غزواته، رافقوه في رحلاته، شاهدوه في غدواته وروحاته، تلمذوا على يده وتربوا بين يديه، أخذوا بسنته، واقتدوا بأمره، وتعلموا منه الدين مباشرة، وأحبوه حباً جرى منهم مجرى الروح والدم، فأحبهم صلى الله عليه وسلم ووصفهم بالنجوم والكواكب قائلاً: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
يقول عنهم عروة بن مسعود وقد بعثه الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتكلم معه في أمر من أمور الصلح، فقال لهم بعد ما عاد إليهم، “فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيماً له”.
هكذا كان يشهد الأعداء بحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واحترامهم وتقديرهم لنبيهم وهذا ما يعرفه الجميع، فلا حاجة لنا إلى سرد تلك الوقائع التي تدل على ما كان في قلوب الصحابة من حب وتقدير لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإنما أريد أن ألفت نظري ونظرك إلى الأمور التي تخفى على كثير منا، وإلى تلك الرؤية التي ينظر بها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إلى الدين والدنيا، لأننا في أشد حاجة إليها، خاصة في أيامنا هذه.
أذهب بك أولاً إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه لنرى كيف يتحول لينه إلى شدة، حين كان الأمر يتعلق بالدين، ثم اذهب بك إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لنرى كيف كان اهتمامه بالعبادة وكيف كانت علاقته بالدين، وكيف كانت رؤيته للدنيا، وكيف كانت حميته للإسلام، ثم أذهب بك إلى سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، لنرى التوافق بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في هذه النقطة.
إن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى الذي اتسم في حياته كلها باللين والهوادة، كان شديداً غاية الشدة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، قال بعد مبايعته بالخلافة “إنما أنا متبع ولست بمبتدع، وربما عرض له من الأمر ما لم يتضح فيه طريق الاتباع، فيخرج إلى الناس ليسألهم عن ذلك، فلا يبتدع إلا بعد استقصائه كل مرجع من مراجع الاتباع، حتى إذا أشار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم في المصحف امتنع عنه بقوله: كيف أفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استصوب رأي جمعه وأمر بذلك.
هذا هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد فرق الله به بين الحق والباطل، وجعل الحق على لسانه، وكان إسلامه فتحاً، وهجرته نصراً وإمارته رحمة، وكان مثل الإسلام أيامه مثل أمر مقبل لم يزل في إقبال، هذا هو الخليفة الذي أدهش العالم كله، بصناعة الأمجاد، وتحقيق الانتصارات، وفرض الهيمنة على الجبابرة والطغاة، وما يتمتع به من قدرات حربية وإدارية لا يوجد لها مثيل في أحد الملوك والسلاطين، وقد قدم الجابية بعد ما تولى السلطة فيها على جمل من أرخص الجمال، وصلعته تلوح للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، رجلاه بين شعبتي رحله بلا ركاب حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفا، هي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جنبه.
وإليك صورة أخرى لهذا الخليفة، وهي تدل على اهتمامه بأمور الدين، قد فاتته الصلاة في جماعة ذات يوم فتصدق بضيعة له قيمتها مائتا ألف درهم، وذلك عقوبة لنفسه وكان نجله عبد الله قد تأخر ذات ليلة في صلاة المغرب، فعاقب نفسه بإحياء تلك الليلة تكافيا، وهكذا كان يعاقب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أنفهسم حين وجدوا نفوسهم مقصرة في أمر من أمور الدين.
خرج أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جولة تفتيشية، فرأى إبلا سمينا تمتاز عن بقية الإبل بفخامتها وامتلاءها، فسأل إبل من هذه؟ قالوا! عبد الله بن عمر، انتفض أمير المؤمنين وقال: عبد الله بن عمر، بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين، وأرسل في طلبه من فوره، وأقبل عبد الله بن عمر يسعى، وحين وقف بين يدي والده، أخذ عمر يفتل سبلة شاربه، وتلك كانت عادته إذا أهمه أمر خطير، وقال لابنه! ما هذه الإبل يا عبد الله، فأجابه: إنها إبل أنضاء، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى الحمى أتجر بها، وابتغى ما يبغيه المسلمون فغضب عمر رضي الله عنه، وقال لعبد الله يقول الناس حين يرونها، أرعوا ابل ابن أمير المؤمنين، أسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك، ويربوا ربحك يا ابن أمير المؤمنين ثم صاح به، يا عبد الله، خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل، واجعل الربح في بيت مال المسلمين.
اختار أبو موسى الأشعري نصرانياً ككاتب للدولة، فكتب له عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعزله واستعمل بدله مسلماً، فكتب له أبو موسى، إن من غنائه وخبره وخبرته كيت كيت، فكتب له عمر ليس لنا أن نأتمنهم وقد خونهم الله، ولا أن نرفعهم وقد وضعهم الله، ولا أن نستنصحهم في الدين وقد وترهم الإسلام، ولا أن نعزهم وقد أمرنا أن يطعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فكتب أبو موسى إن البلد لا يصلح إلا به، فكتب إليه عمر، مات النصراني والسلام.
وصف ضرار بن ضمرة سيدنا علياً رضي الله عنه حين استفسره عنه معاوية بن أبي سفيان فقال: رأيت في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا أبي تعرضت أم لي تشوفت، هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق.
وهذا هو الصحابي الجليل سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصبح قريباً منه بصفته أخاً لزوجة الرسول صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما، وكان يذهب إليه في بيته يجالسه ويؤاكله ويوأنسه، و في يوم من الأيام ناده النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا معاوية، وكان معاوية رضي الله عنه يتبع النبي صلى الله عليه وسلم بإداوة: “إن ملكت فأحسن”، وفي حديث عمرو بن يحيي أن معاوية – رضي الله عنه – “أخذ الإداوة فتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه فقال له: يا معاوية إن وليت أمراً فاتق الله واعدل”، فقال معاوية رضي الله عنه فقد وقع في نفسه أني سأَلِي أمر المسلمين في يوم من الأيام، فكان عمره حينئذ ثمانية عشر عاماً.
ولما صار سيدنا أبو بكر رضي الله عنه خليفة المسلمين كان معاوية رضي الله عنه قائداً من القواد الصغار في الحروب في الشام، ولما جاء عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت الشام ولاَّه نيابة دمشق بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان، ولما تولى سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة أقره على ذلك وزاد إليه بلاداً أخرى.
سئل مرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن معاوية رضي الله عنهما فقال: ” أ تعجبون من كسرى وقيصر وعندكم هذا الرجل”، وكان معاوية رضي الله عنه يمتاز بصفاته القيادية وقدراته الإدارية وكفاءاته الحربية.
وقد قيل عنه أنه ركب مركباً أركبه عمر وعثمان رضي الله عنهم، يقول العلماء: ” إن معاوية رضي الله عنه ستر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحاجز، فمن أراد أن يكشف هذا الستر أو يخترق هذا الحاجز يُخشى أن يصل إلى من وراءه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين”.
لما سئل عمر بن عبد العزيز عما حدث في تلك الفترة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” دماء طهر الله أيدينا منها، فلِمَ نلوث ألسنتنا بها؟. ولما سئل أحد الأئمة عن تلك المجموعة الطيبة قال: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسئلون عما كانوا يعملون، ولذلك يقول الإمام أبو حامد الغزالي: يحرم على الواعظ ذكر مقتل حسين رضي الله عنه وسرد الوقائع والأحداث التي وقعت في ذلك الوقت، يسوق الحديث إلى ما لا يحمد عقباه.
هكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وهذه كانت مواقفهم، وكانوا أشد إقبالاً على الآخرة، وأشد خوفاً من الله عز وجل وأشد نفوراً من الدنيا، وأشد غيرة على الإسلام، وأشد اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وأشد اهتماماً بالعبادة، بجانب ما يحملون في قلوبهم من حب النبي صلى الله عليه وسلم فجمعوا بذلك بين الحب والاتباع، وهذا ما نحتاج إليه اليوم.
جعفر مسعود الحسني الندوي