الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للسعودية في ذمة الله

الأستاذ الدكتور صابر عبد الدايم يونس في ذمة الله تعالى
25 سبتمبر, 2025
الشيخ الدكتور عبد الله عمر نصيف في ذمة الله
22 نوفمبر, 2025
الأستاذ الدكتور صابر عبد الدايم يونس في ذمة الله تعالى
25 سبتمبر, 2025
الشيخ الدكتور عبد الله عمر نصيف في ذمة الله
22 نوفمبر, 2025

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للسعودية في ذمة الله

ذكي نور عظيم الندوي (لكناؤ)
توفي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، بعد عمر حافل بالعطاء في سبيل الدين، والعلم، والإرشاد، والتوجيه. وذلك صباح الثلاثاء، الأول من شهر ربيع الآخر لعام 1447هـ.
وُلد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في مدينة الرياض عام 1362هـ الموافق 1943م، في بيت عريق من بيوت العلم والدعوة، ينتمي إلى أسرة آل الشيخ التي يعود نسبها إلى الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حفظ القرآن الكريم صغيرًا، ثم التحق بالمعاهد العلمية، وتتلمذ على كبار العلماء، من أبرزهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمهما الله. هذا التكوين العلمي المبكر منح الشيخ ملكة راسخة في الفقه والأصول والعقيدة والحديث، مكّنته من التصدر للإفتاء والتعليم والدعوة.
وكان لهذه النسبة المشرّفة أثرها في تنشئته الدينية المبكرة، غير أن ما ميّزه حقا لم يكن نسبه فحسب، بل ما تحلى به من اجتهادٍ في طلب العلم، وزهد في الدنيا، وإخلاصٍ في العمل، وصدق في النصيحة. تلقى العلم على كبار العلماء في بلده، وتدرج في مدارج المعرفة حتى بلغ منزلة يُشار إليها بالبنان، فكان منارات الهدى يستضيء بها طلاب العلم في مشارق الأرض ومغاربها.
ابتلاه الله بضعف البصر منذ صباه، غير أنّ ذلك لم يزده إلا بصيرة ونورا، فكان كما قال الإمام الشافعي: “من فقد بصره رُزق بصيرة قلبه”. فقد جمع الشيخ إلى علمه الواسع صفاءا في القلب، ووقارا في الهيئة، وصدقا في التوجّه، فصار مرجعا في الفتوى، ومثالا للزهد والعفاف والتواضع. وبعد وفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عام 1999م، اختير مفتيًا عامًا للمملكة، فعزّز منهج الإفتاء الجماعي، وفعّل دور الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، وجعل المؤسسة الإفتائية مرجعًا رصينًا يواكب قضايا العصر المستجدة بروح الاجتهاد المعتبر، مع الحفاظ على الثوابت الشرعية. وجعل من دار الإفتاء منارة للعالم الإسلامي، يفيء إليها طلاب العلم والباحثون عن القول الراشد والفهم الصحيح.
حمل الشيخ راية الإفتاء على مدى ربع قرن كامل بصدق وثبات، وعبر عن رؤية شرعية متزنة تجمع بين فقه النصوص ومصالح العباد. وكان لسانه صادقا في النصح، بعيدا عن التكلّف، قريبا من روح الشريعة، مُستنيرا بمنهج السلف في الفهم والدعوة. لم يكن خطيبا مفوّها فحسب، بل كان في كلماته دفءُ القلب وصفاء النية، يذكّر الأمة بالله، ويدعوها إلى الوحدة والرحمة والوسطية.
ومن الصفحات المضيئة في حياته ما امتد طوال خمسة وثلاثين عاما من خطبته ليوم عرفة في مسجد نمرة، منذ عام 1982م حتى عام 2015م، فكان صوته في ذلك اليوم المبارك صدى للإيمان والرحمة، يملأ القلوب خشوعا، والعقول يقينا. على منبره ذاك دعا الأمة إلى التراحم والتآخي، وإلى التمسك بالكتاب والسنة، محذرا من الفتن والانقسام، ومبشرا برحمة الله الواسعة لعباده الصادقين.
وبوفاة سماحة الشيخ ودّعت المملكة العربية السعودية علما من أعلامها الكبار. وصُلي عليه بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض، بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعدد من الأمراء والعلماء والمسؤولين. ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بإقامة صلاة الغائب عليه في المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وسائر مساجد المملكة، في مشهد عبّر عن مكانته في قلوب الناس، وعمق الأثر الذي تركه في الأمة.
توالت كلمات النعي والتأبين من داخل المملكة وخارجها، فأشاد العلماء والفقهاء بمسيرته الزاخرة، ونعاه أئمة الحرمين بعباراتٍ مؤثرة. قال الدكتور عبدالرحمن السديس إن الشيخ الراحل “منارة علمٍ وورع، ورمز اعتدالٍ وتسامحٍ، قاد الأمة بحكمته وبصيرته في زمنٍ اشتدت فيه الفتن”. ووصفه الشيخ صالح الفوزان بأنه “العالِم المبرّز، والقدوة في الفتوى والتربية، والركن الأصيل في مؤسسات العلم الشرعي”. وقال فضيلة الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي الرئيس العام لندوة العلماء في رسالة تعزية له: “لاشك أن وفاة المفتي العام للمملكة خسارة كبيرة للأمة الجمعاء”، كما نُشرت برقيات تعزية من قادة الدول الإسلامية، أكدوا فيها أن وفاته خسارة للأمة جمعاء.
ترك سماحة الشيخ إرثًا علميًا يتمثل في مئات الفتاوى الرسمية، والخطب، والدروس الصوتية والمرئية، فضلًا عن مؤلفاته التي تناولت موضوعات العقيدة والفقه والأخلاق. هذا الإرث أصبح مرجعًا للباحثين والدارسين في العلوم الشرعية، ويمثل مدرسة فكرية متكاملة تقوم على التوازن بين النص والاجتهاد المنضبط.
في الجانب الدعوي، خرّج الشيخ آلاف الطلاب ووجّههم إلى سلوك طريق الاعتدال والحرص على العلم النافع والعمل الصالح، فكان مربّيًا قبل أن يكون مفتيًا، وناصحًا قبل أن يكون حَكمًا في النوازل.