أهمية طلب العلم بين الأمس واليوم!
12 أكتوبر, 2025المنهج السماوي للعالم المعاصر
سعيد الأعظمي الندوي
نحن اليوم في عصر يُدعى بعصر الحضارة الراقية التي غيرت مجرى الحياة وبدلت تصور التكافل الاجتماعي والتعاون على نشر العلم الصحيح، وفكرة النصح والخير في المجتمعات والمجموعات البشرية، لقد كان الناس يتعايشون فيما بينهم بالاكتفاء الذاتي، ويتعاونون فيما بينهم بدافع من الحب والأخوة الإنسانية التي كانت ثروة مشتركة بين الناس جميعًا، وتعتبر نتيجة للعقيدة مهما كانت، وكذلك كانت المجموعات الإنسانية تعيش في غنى عن كل ما يعكر صفوها من المنازعات والخصومات التي تنتزع من القلوب عواطف الرحمة والعطف ومحاسن الخلق، لم تكن هناك سياسة الاستعباد والاستغلال ولا الحرص على الانتفاع بمكاسب الآخرين وحرمانهم من حقوقهم، إنما كانت الحياة ذات عدل واعتدال، ونفع وانتفاع، فقام بذلك عالم بشري نموذجي تتمثل فيه الصفات الإنسانية المثلى، والسلوكيات الرفيعة، وذلك بعد ما ذاقت المجتمعات البشرية طعم الحضارة الأمرّ، أيام حضارة الفرس والرومان، التي وزعت البشر بين خلايا كثيرة، وسفلت الإنسان فبلغت به إلى أحط من درجة البهائم والأنعام، فكانت ميزته يومذاك العداوة والبغضاء اللتان كانتا نتاج الظلم والكراهية والاستغلال البشع لقوى البشر.
تفاقم هذا الشر في عهد هاتين الحضارتين، ولعله فاق جميع ما سجله التاريخ من قصة الظلم والعدوان والطغيان في الحضارات البائدة، وهنالك جاشت الرحمة السماوية وظهرت في صورة واقعية من العدل والإحسان، وطلعت شمس الإسلام من أفق تهامة عن طريق رسول الرحمة والعدل وخاتم النبيين، محمد بن عبد الله الأمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وأرسلت أشعتها على الكون حتى أشرقت الأرض والسماء والبر والبحر والجبال والبوادي بنور الحق والرحمة على الخلق كله.
فلم يكن الناس يوم ذاك بحاجة إلى الوسائل الإعلامية والصحفية وما كانوا مفتقرين إلى الاطلاع على أحوال الناس بالتواصل المادي أو التواصل الحضاري الجديد، إنما كانوا مرتبطين بالعالم داخليًا وخارجيًا بواسطة الدعوة إلى الدين الإسلامي واللقاءات الأخوية الإيمانية، وعن طريق الرحلات والبعثات، وتدرج العالم البشري في هذا المجال فأوجد وسائل الدعوة وتكنولوجيا المعلومات والإعلام، ولم يكن الهم والقصد بذلك أبدًا المتعة أو التسلية أو إزجاء الوقت، كما كان شأنهم في السابق مع الصحافة المكتوبة، والإذاعة والتلفاز، لم يستعملوا أي شيء من ذلك، من أجل المتعة أو التسلية فقط، إنما اعتمدها الناس لأغراض إيجابية علمية ودعوية أو فكرية، ولاسيما دعاة الإسلام وعلماء المسلمين.
ولكن الآن ليست أي وسيلة من الوسائل الحديثة من الإعلام الاجتماعي أو من تكنولوجيا المعلومات أو “فيس بوك” أو بالمشاركة وتحميل الفيديو في “التويتر” أو مواقع الانترنيت من التقنية الجديدة، أو ما أشبه ذلك ليست هذه الوسائل لخدمة الإنسانية وتيسير العمل وتوفير الوقت للأعمال الإنسانية الجادة، إنما يستطيع المرء بذلك أن يكون متمددًا على فراشه الوثير أو متكئًا على كرسيه المتحرك ويشاهد ما يجري في العالم من نشاطات منوعة ومناورات ملونة ويستمتع منها من غير أن يكون له منها هدف عال أو مقصد جليل.
وقد بلغت التسهيلات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية كذلك إلى آخر المدى، وأصبحت الصفقات التجارية والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية تتم عن طريق الشبكات والمواقع الإلكترونية أو بواسطة التويتر والفيس بوك، وبذلك فقد الإنسان من قوة العمل وصلاحية السعى شيئًا كثيرًا، ونال التكاسل والترهل طريقهما إلى حياة الإنسان الفردية والجماعية مما جعله عنصرًا حضاريًا ماديًا بحتًا، وأثارت عليه مشكلات في مجال الأفضلية التي أكرم بها الإنسان، وتمثيل نموذج عال من الطهر والعفاف والصدق والنزاهة.
هذه الآليات الحديثة الإلكترونية قامت بتسهيل الحياة إلى حد لم يعد فيه للإنسان تلك المكانة العالية من الخلافة في الأرض التي إذا نسيها الإنسان لم يستطع أن يؤدي رسالته في العالم المعاصر الذي هو أحوج شيء إلى المنهج الدائم الذي أنزله الله سبحانه لسعادة الإنسان في هذا العالم وقيادته إلى الصراط المستقيم:
“وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ” [الأنعام:153].

