الدكتور نذير أحمد الندوي في ذمة الله

الشيخ نذير أحمد الندوي رحمه الله
22 نوفمبر, 2025
الأستاذ الدكتور نذير أحمد الندوي
22 نوفمبر, 2025
الشيخ نذير أحمد الندوي رحمه الله
22 نوفمبر, 2025
الأستاذ الدكتور نذير أحمد الندوي
22 نوفمبر, 2025

الدكتور نذير أحمد الندوي في ذمة الله

د/ محمد وثيق الندوي
فجعت أسرة ندوة العلماء بوفاة أحد أساتذة دار علومها المبرزين الدكتور الأستاذ نذير أحمد الندوي يوم الثلاثاء 7/أكتوبر 2025م بعد ما قضى حياة حافلة بالعطاء في مجال التعليم والتربية والدعوة، فكان معلمًا ناجحًا، ومربيًا حكيمًا، وكاتبًا قديرًا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
نشأته وحياته:
ولد الدكتور نذير أحمد بن عزيز أحمد خان الندوي في 1/7/1965م، وتلقى الدروس الابتدائية من الشيخ مظهر الحق اللكنوي، ختن الشيخ المفتي سعيد أحمد اللكنوي نجل الشيخ فتح محمد تائب اللكنوي صاحب “خلاصة التفاسير” وقرأ عليه مبادئ الصرف، والنحو، وتعلم منه اللغتين العربية والفارسية إلى جانب لغة “أردو” الوطنية، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء في مرحلة الثانوية عام 1979م، وحصل منها على شهادة “العالمية” عام 1986م، كما حصل منها شهادة “الفضيلة” عام 1988م، بينما درس سنة في المعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي عام 1989م.
وكان كتب في صحيفة “الرائد” وهو في السنة الثانية للدراسات العليا بكلية الشريعة وأصول الدين، ثم عُيِّن “محرراً” في مكتب صحيفة “الرائد” في غرة رمضان عام 1409هـ، وسنحت له بذلك فرصة الاستفادة من الأستاذ الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي والارتباط به ارتباطًا علميًا وتربويًا، كما استفاد منه أيام طلبه حينما كان دارسًا في السنة الثالثة من الدراسات العالية بكلية الشريعة وأصول الدين، يقول في مقال له كتبه عن أستاذه الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي: “وبقيت أستفيد منه طول العام الدراسي خلال الحصة الخاصة بالإنشاء والتعبير، وتشجعت من خلال توجيهه على الكتابة، وشعرت بأنني أتمكن من الكتابة فيما إذا مارستها وواصلت مسيرتها، ثم تشرفت بالاستماع إلى محاضراته القيمة المزدانة بالمعلومات الدسمة، وأنا في المعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي”، ويقول: “فكنت أتلقى منه توجيهات قيمة وأراء سديدة في الفكر الإسلامي تولت توسعة آفاق ذهني، وساعدتني على الاطلاع على أوضاع العالم الراهنة”. (الرائد، السنة:60، الأعداد:16–18، فبراير ومارس، 2019م).
وكان يُعْهَدُ إليه في مكتب “الرائد” بترجمة أهم الأحداث والتقارير المنشورة في مختلف الجرائد والصحف باللغتين الأردية والإنجليزية، ولاسيما جريدة “Times of India” اليومية، فكان يتولى ترجمتها، ثم يتناولها الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي بشيء من التصحيح والإصلاح، ويقدِّمها للنشر، وبقي يعمل في مكتب صحيفة “الرائد” سنة، ويمارس التدريس في بعض الحصص الدراسية كذلك، حتى ابتدأ العام الدراسي الجديد، فنُقِلَ من مكتب “الرائد” إلى دار العلوم لممارسة التدريس بصورة منتظمة في شهر شوال عام 1410هـ، ولكن بقيت علاقته الخلقية بصحيفة “الرائد” إلى أن جاءه أجله المحتوم.
وخلال التدريس حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون والآداب بجامعة لكناؤ عام 1992م، كما حصل منها على شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها عام 1994م، وحاز شهادة الدكتوراة في الأدب العربي من جامعة لكناؤ عام 2002م.
مشاركاته العلمية:
قام بتدريس كتب اللغة العربية وآدابها كأستاذ زائر في الجامعة الإسلامية بشانتافورم بكيرالا لمدة أسبوعين في شهر يونيو عام 2006م، وحضر الدورة التدريبية التي عقدتها مؤسسة همدرد التعليمية في سنكم وهار بدلهي في الفترة ما بين 6–15/ديسمبر 2007م بعنوان: “تعزيز القيم البشرية عن طريق التعليم”، وشارك في الندوة الدولية التي عقدها قسم اللغة العربية بجامعة كيرالا حول “لغة الحديث الشريف وفلسفته ودراساته” في الفترة ما بين 17–19/فبراير عام 2012م، وقدم فيها مقالاً بعنوان: “مكانة الحديث النبوي في إثراء اللغة العربية”، وحضر مؤتمرًا وطنيًا انعقد في 25–26/مارس عا م2012م في قاعة المؤتمرات بأكادمية شبلي في أعظم جره حول الشيخ مجيب الله الندوي، وقدم فيه مقالاً عن إحدى كتاباته، وألقى محاضرة على طلاب الماجستير الدارسين في كلية روضة العلوم العربية بفاروق، كيرالا، التابعة بجامعة كاليكوت، كوزي كود، كيرالا في 26/6/2014م بعنوان: “طرق تعلم اللغة العربية”، وحضر الندوة الوطنية التي عقدها قسم اللغة العربية بجامعة كيرالا في قاعة المؤتمرات في 24–25/نوفمبر عام 2016م حول كتاب “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، وقدم فيها مقالا بعنوان “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: مبادرة موفقة ومحاولة ناجحة لإثارة روح العرب القومية والإسلامية”، وحضر ندوة عقدتها مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم في الفترة ما بين 5–15/ يونيو عام 2018م حول الدراسات النورسية، وأكمل المقرر الدراسي للدورة بنجاح، وحصل على شهادة الإنجاز، وقد زار لندن في التسعينيات من القرن المنصرم.
وكان عضوًا في اللجنة العلمية التي تستعرض المقررات الدراسية بكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء، وفي اللجنة التي تشرف على نشاطات النادي العربي لطلبة دار العلوم، فكان يشارك في برامجها المنوعة، ويشجع الطلبة على المساهمة في البرامج الثقافية، كما كان عضوًا في اللجنة التي تشرف على مركز التدريب للتحدث باللغة العربية التابع لكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم، كما كان يقوم بعمل التوجيه والإرشاد الديني، ويلقي المحاضرات، ويشارك في الندوات، كما شارك في مراجعة كتاب “تاريخ الأدب العربي (العصر الجاهلي) للأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، وفي كتابه “الدعوة الإسلامية ومناهجها في الهند”.
وفي عام 2023م رشَّحته ندوة العلماء لأداء الحج بدعوة من برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج لعام 1444هـ، فتشرف بأداء فريضة الحج.
وكان الأستاذ الدكتور نذير أحمد الندوي يتقن عدة لغات: العربية والأردية والفارسية، والإنجليزية، كما كان له إلمام بالهندية والسنسكريتية، ويتكلم بها بطلاقة.
كانت صلتي به صلة ودّ ومحبة واستفادة واستشارة علمية، وتعود قصة صلتي به إلى عام 2002م، حينما عُهِدَ إليه بمراجعة “الرائد” بعد وفاة الشيخ الجليل الأستاذ شفيق الرحمن الندوي في يونيو عام 2002م، الذي كان يلقى نظرة فاحصة على محتويات صحيفة “الرائد” قبل أن تُرسل للطبع، فكان يتولى الإشارة إلى ما كان يتطرق إليها من الأخطاء، وعندما أصيب الشيخ قبل وفاته بضعف البصر وقصور النظر، اعتذر عن هذه المسئولية، فنيطت هذه المسئولية بالأستاذ نذير أحمد الندوي بأمر من الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي والشيخ السيد عبد الله محمد الحسني الندوي – رحمهما الله تعالى – وأنا كنتُ محررًا في مكتب “الرائد” منذ يناير 2001م بعد التخرُّج في دار العلوم لندوة العلماء في ديسمبر 2000م، فظلَّ يقوم بها ما وجد إلى ذلك سبيلاً، ويشير إلى ما وجد فيها من الأخطاء اللغوية والنحوية، فأستفيد منه وأشاركه في مراجعة “الرائد” في مكتب “الرائد” حينًا، وفي غرفته حينًا آخر، وأنا أناقشه حول المصطلحات العربية الجديدة خلال المراجعة، ثم اعتذر عن هذه المسؤلية حينما تدهورت صحتُه بسبب أمراضه المضنية ومعاناته العائلية عام 2014م، ثم عين عضوًا في الهيئة الاستشارية للرائد عام 2019م عندما عُيِّن الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي رئيس تحرير صحيفة الرائد بعد وفاة رئيس تحريرها الشيح محمد واضح رشيد الحسني الندوي في 14/يناير 2019م، وعُيِّنْتُ أنا مدير تحريرها.
وكان يلاطفني خلال المراجعة، ويشرِّفني مرارًا بمجيئه إلى غرفتي ثم بيتي في الحرم الجامعي، وبيتي في مهبت مئو كذلك بمناسبات مختلفة، وصَحِبتُه عدة مرات في السفر للحضور في الندوات والبرامج الثقافية والأدبية والعلمية، فوجدتُه ذا علم غزير، وخلق رفيع، وذوق أدبي جميل، واقتدار على انتقاء الكلمات واستعمالها في مكانها المناسب، وكان يتصف بالحلم والرزانة، والصفاء والوفاء، ويحب البساطة، وكان مواظبًا على الصلاة في الجماعة، مكبًّا على العبادة، ومشتغلاً بالذكر والتلاوة، وكان مقبولاً لدى الطلبة لمنهجه السهل المؤثر المقنع في التدريس والتربية.
وقد فقدت أسرة ندوة العلماء واحدًا من أبنائها المخلصين الأفاضل، فنسأل الله العلي القدير أن يغفر له ويرحمه رحمة واسعة ويعفو عنه، ويجزيه خير الجزاء، ويكرم نزله، ويدخله جنة الفردوس، ويحشره مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، إنه نعم المولى ونعم المجيب.