صلة الأمة بذات الرسول صلى الله عليه وسلم

أمراض المجتمع وعلاجها (15)
12 أكتوبر, 2025
فضل التقوى
12 أكتوبر, 2025
أمراض المجتمع وعلاجها (15)
12 أكتوبر, 2025
فضل التقوى
12 أكتوبر, 2025

صلة الأمة بذات الرسول صلى الله عليه وسلم

الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي
تتميز هذه الأمة عن الأمم الأخرى في العالم بالتعلق بذات الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالهدى، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، وترك للأمة ما إن تمسكت به أفلحت في الدنيا والآخرة، وأصلحت شئونها، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان القرآن الكريم نصًا ودستورًا للحياة الإسلامية التي تشتمل على العقيدة، والعبادة، والسلـوك، فالحديث النبوي الشريف شرح له وإيضاح وتفسير له، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيق عملي له، حسب الأوضاع والظروف المخالفة في الحياة الفردية والاجتماعية، وهي مسجلة مدونة، دقائقها وجلائلها، في بطون الكتب، ومنعكسة في حياة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين الذين كانوا كمرآة صافية، تنعكس فيها قسمات هذه الحياة الطيبة.
ظلت صلة هذه الأمة موصولة بذات الرسول، ودعوته، ومنهج حياته، وإن كان الاقتداء بشمائله، وخصاله، جزئيًا أو مفرقًا، ولكن اتباع سنته وشريعته لم ينقطع في عصر من العصور، وقد آثر متبعوه حسب دراستهم الخاصة جوانب من سنته، وحاولوا الاقتداء بها في حياتهم، وتمثيلها حسب المستطاع في سلوكهم وسيرتهم، كما سعدت بعض النفوس بالاقتداء بالسنة الشريفة في نطاق أوسع، اقتداء شاملاً، فكانت حياة بعض المسلمين صورة مصغّرة للمنهج النبوي العظيم في العبادة، والسلوك، والدعوة، والجهاد، ومهما كان نوع هذا الاتباع للسنة فإن الحب الغامر بذات الرسول صلى الله عليه وسلم والشغف به، والهيام به، كان من سمات هذه الأمة التي تتميز بها عن الأمم الأخرى ولا يوجد مثل هذا الشغف في الأمم الأخرى بأصحاب دعواتها وفلسفاتها، ولا في الديانات الأخرى.
لقد عرضت بعض الأمم أنبياءها ومصلحيها وأصحاب دعواتها بطريق يحول دون الاقتداء بهم ومحاكاة منهج حياتهم، لأنها ألحقتهم بالإله، وخلطت بين الله ورسوله، وتعدى هذا التصور في بعض الدوائر إلى إلحاق الأولياء والصالحين بالتقديس المفرط بالإله، ورفعت درجتهم عن الأنبياء كما فعل ذلك أتباع مذهب تأليه الأئمة في بعض الفرق
لقد شرح الرسول الأعظم نوع الصلة وطبيعة الاقتداء به، فأكد كونه بشرًا، وقال في موضع: “أنا ابن امرأة تأكل القديد” ومنع في كثير من المناسبات أن يقرن اسمه باسم الله، واحتفظ المسلمون بالتناسب الدقيق في التقديس، فالله هو المنعم الحقيقي، وهو البارئ، وهو الخالق، وهو الذي بعث رسولاً شاهدًا على الناس، سراجًا منيرًا، بشيرًا ونذيرًا، وقد أوضح القرآن الكريم أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم شرط لطاعة الله، ومحبته لمحبة الله قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ آل عمران:31] وقُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32] وفَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
وكان عمل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أسوة للأجيال القادمة في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعلق بذاته، وروح الفداء له.
واتفق المؤرخون على هذه السمة التي كان يتميز بها ذلك الجيل، ثم توارثتها الأجيال التالية، وظل هذا الحب الغامر متدفقًا متواصلاً، رغم مرور الزمن، وقد روى التاريخ أعاجيب من ذلك الحب، فحرصت بعض النفوس على الاقتداء بشمائله حتى في اللباس، والطعام والمشي، والكلام، والحياة المنزلية، والحياة الاجتماعية، ووجد هذا الحرص على اتباع سنته والشغف الزائد بذاته في الملوك، والفقراء، وفي السادة، والتابعين، والمصلحين، وعامة الناس، حتى الذين لا يلتزمون عادة بكثير من القيم، ولا يراعون التحفُّظ في الحياة، يحملون هذا الحب والغرام بذات الرسول صلى الله عليه وسلم وهم مستعدون للفداء له.