إن مع العسر يسرًا: رحلة الدعوة وبيعة العقبة
24 سبتمبر, 2025المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف
عبد الرشيد الندوي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلّ خيرٌ. احرِص على ما ينفعُكَ، واستعِن بالله، ولا تعجِزْ، فإن أصابَك شيءٌ فلا تقل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّرَ الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشيطانِ».
تخريج الحديث: أخرجه مسلم (2664)، وابن ماجه (79)، وأحمد (8777)، والنسائي في السنن الكبرى (10457).
شرح الحديث: يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المؤمنين متفاوتون في مراتبهم، وأعلاهم درجة: المؤمن القوي، الذي تتجلّى قوته في الإيمان والعزيمة والنشاط، وفي صلابة الإرادة ومجاهدة النفس على الطاعات، وقدرة الجسد على العمل الصالح، بحيث يندمج فيه القوة الروحية والجسدية مع فتوة القلب واستقامة السلوك، فيكون أعظم نفعًا لنفسه ولدينه ولأمته. ومع هذا التفاضل، فالمؤمن الضعيف له نصيب وافر من الخير، فهو محتفظ بأصل الإيمان ويقوم بما يطيق من الأعمال الصالحة، فكل المؤمنين لهم خير، لكن القوي أظهر قوة وأكمل أثرًا.
ثم أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قاعدة عملية في سلوك المسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز». أي اجعل همّك الدائم ما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك، واسعَ لتحقيقه بجدّ واجتهاد، وكيس ورفق وحزم، مستعينًا بالله وحده، وحذرًا من العجز والتسويف والكسل، لأن العجز يقطع طريق الخير، أما المزج بين الجدّ والأخذ بالأسباب والتوكل الحق على الله فهو طريق القوة والتوفيق الحقيقي.
وأكمل صلى الله عليه وسلم منهج التربية القلبية فقال: «فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل». فالتحسر على الماضي بلفظ “لو” يفتح باب الوسوسة والجزع، ويجر إلى سوء الظن بالقضاء، أما التسليم والرضا بما قضى الله فهو سبيل الطمأنينة والاستقرار النفسي. وقد بيّن العلماء أن “لو” إذا استُعملت للتعلم والاعتبار فلا حرج فيها، أما في التسخط فهي مذمومة.
فالحديث إذن يرسّخ أصولًا متكاملة لبناء شخصية المسلم: قوة في الإيمان والبدن والروح، حرص على ما ينفع، استعانة بالله، اجتناب العجز، ورضا بالقضاء، فتجتمع في حياة المؤمن القوة الظاهرة والسكينة الداخلية، ليكون نافعًا لنفسه وأمته وناجحا في الدنيا والآخرة.