وفاة الشيخ عزير شمس رحمه الله تعالى

العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في ذمة الله تعالى
6 أكتوبر, 2022
وفاة العلامة المفتي محمد رفيع العثماني رحمه الله تعالى
26 ديسمبر, 2022

وفاة الشيخ عزير شمس رحمه الله تعالى

د. محمد أكرم الندوي

صدمني مساء اليوم (ليلة الأحد 20 ربيع الأول سنة 1444هـ) نعي الشيخ عزير شمس العالم الكبير والمحقق البصير، صدمة دونها الصدمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، كان آية في البحث والتحقيق، مقتنصًا لأوابد المخطوطات، وطارقًا لنوادر الموضوعات، جاعلاً إياها ذللاً قريبة مألوفة، وبينة مكشوفة، في صبر عجيب، وثبات دائم، وكان عاليًا بنفسه عن سفاسف الدنيا، غير مخلد إلى زخارفها، متجهًا بعقله وفكره إلى العلم، ومضحيًا في سبيله أغلى الأوقات وأنفس الممتلكات، وكان مثالاً للسلف الماضين في الزهد والقناعة، والتقشف والبساطة، والتواضع والخلق.

ترجمته:

وهو الشيخ محمد عزيز بن شمس الحق بن رضا الله، ولد سنة 1957م في ولاية بنغال الغربية في الهند، تخرج من الجامعة السلفية في مدينة بنارس سنة 1976م، ومن الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية كلية اللغة العربية سنة 1401ه، وحصل على شهادة الماجستير من جامعة أم القرى سنة 1406هـ، وعنوان رسالته في الدكتوراة (الشعر العربي في الهند – دراسة نقدية).

ومن شيوخه أبوه الشيخ شمس الحق السلفي (ت 1406هـ)، درس عليه الموطأ والبخاري وكتبًا أخرى كثيرة، والشيخ محمد رئيس الندوي، والشيخ عبدالسلام الرحماني، والشيخ صفي الرحمن المباركفوري، وشيخنا عبد النور الندوي، وآخرون.

وله من المؤلفات: (حياة المحدث شمس الحق وآثاره)، و(أعلام أهل الحديث في الهند) بالأردية غير مطبوع، ورسالة في حكم السبحة (بالأردية)، و(مؤلفات الإمام ابن قيم الجوزية).

وله من التحقيقات: (رفع الالتباس عن بعض الناس) للعظيم آبادي، و(غاية المقصود شرح سنن أبي داود)، للعظيم آبادي، و(مجموعة فتاوى الشيخ شمس الحق العظيم آبادي)، و(ردّ الإشراك) لإسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، و(تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي) لأبي القاسم البغوي، و(جزء في استدراك أم المؤمنين عائشة على الصحابة) لأبي منصور البغدادي، و(روائع التراث) عشر رسائل نادرة في فنون مختلفة، و(تقييد المهمل وتمييز المشكل) لأبي علي الجياني (بالاشتراك)، و(قاعدة في الاستحسان) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و(جامع المسائل) 5 مجلدات لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأشياء أخرى كثيرة.

صلتي به:

تعود معرفتي به تعود إلى نحو عقدين من الزمان أو أكثر، لقيته أول ما لقيته في حجتي سنة 1423هـ، وطبعت يوميات تلك الرحلة بالأردية باسم (أرمغان حج) وترجمته فيها، وكان يشتغل في قسم المخطوطات من المكتبة المركزية بجامعة أم القرى في العزيزية، فزرته في مكتبه على موعد منه، وتجول بي في الجامعة، وأطلعني على المكتبة، وساعدني في تصوير (الملخصيات) في مجلدين، وبعض أهم الرسائل، واصطحبني إلى المكتبات واشتريت من بعضها نسخة من كتاب (الإعلام بما وقع في المشتبه للذهبي من الأوهام) للحافظ ابن ناصرالدين الدمشقي.

ومما سجلت عنه في الرحلة: “لقد أعجبت بالشيخ عزير شمس إعجابا بالغا، فهو ذو عقل حر متطلع، وذوق علمي رفيع، وهمة عالية، وإرادة حازمة، مولع بالبحث والدراسة، متبع للمذهب السلفي مع توسع في الفكر والنظر، وكأنه ندوي الاتجاه في تمييزه بين الأصول والفروع، والكليات والجزئيات، والتوسع في الوسائل والتصلب في الغايات، فأنست به أنسًا كبيرًا واطمأننت إليه اطمئنانًا يثلج الصدر، بل وحصلت بيننا صداقة ومودة، وجرت بيننا مراسلات ومهاتفات، وسألني أن أرسل إليه نسخة من كتاب (تأثير الإمام ابن تيمية في آسيا الجنوب) من تعريبي، ففعلت.

لقد فارقنا علماء كثير خلال الأعوام الأخيرة فتأسفنا على فراقهم وحزنا على فواتهم، ولا أدري ما الذي يدفعني إلى أن أقول: خلا بموت صاحبنا مكان لم يخل بموت غيره، إن رحيله فراغ لا يملأ، وثلمة لا تسد، وخسارة لا تعوض، ولا سيما في زماننا إذ نقصت الهمم، وضعفت المطامح، ووهنت العزائم، رحمه الله رحمة الأبرار، وأدر عليه شآبيب النعم، وأنزله فسيح الجنان، آمين يا رب العالمين.

×