إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

دور الخلق الإسلامي في كسب القلوب
25 سبتمبر, 2022
سرُّ القوة والتأثير
27 أكتوبر, 2022

إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

جعفر مسعود الحسني الندوي

بمناسبة شهر ربيع الأول الذي يتميز عن الشهور الأخرى بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، يكون حديثنا اليوم عن حبيب كل من لامس شغاف قلبه الإيمان، وأحب الصدق والعفاف، والكرم والسخاء، والرجولة والمؤاساة، والمناصحة والأمانة، والإيثار والنبل، والخلق، وصلة الرحم والإحسان إلى الجيران، ورعاية الأرامل والأيتام، ومساعدة الضعفاء ومعونة الفقراء، ونصرة المظلوم والأخذ بيد الظالم، وغيرها من الصفات الحميدة، والفعال الصالحات، والشيم الكريمة، التي تتمثل في حياة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إن هذه الأمور التي يمدح بها صاحبها لها أكبر أثر في النفوس حتى في نفوس من يعادونه، ويحاربونه، ويضمئون دماءه، ويخططون له، حتى اضطروا رغم عدائهم وحقدهم وحسدهم للاعتراف بعلو مكانته ورفعة شأنه وعظمة أمره، فلم يتمكنوا من التكلم بكلمة واحدة ضده إلا أن يقولوا إنه يعارض ما نعبده من الأصنام والأوثان، ويدعي بالنبوة، ويقول أنه ينزل عليه الوحي من السماء، وأننا نبعث بعد أن نموت ونوضع في القبور، وندخل في الجنة إن آمنا به وبربه وبكل ما جاء به، وندخل في النار إن أبينا ذلك ورفضناه وكذبناه.

هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أثنى عليه القرآن فقال “إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4] وشهدت به زوجته الكريمة قائلة كان خُلُقه القرآن، وذكره نفسه عن نفسه إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فالخلق الحسن هي الصفة الرئيسية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد أهملناه وتغافلنا عنه وانصرفنا عنه إلى العبادات التي لا يمكن القيام بها إلا في أوقات محددة وشهور مكررة كالصلاة والصوم والزكاة والحج، أما الخلق الذي نستطيع أن نقدم له نماذج بكل وقت، وفي كل مكان، ومع كل أحد، فلا نلتفت إليه ولا نهتم به، ولا نزن له وزنًا ولا نحسب أنه يؤثر في النفوس، ويكسب القلوب، ويدعو للتفكير، ويحسن الصورة المشوهة بأقلام الأعداء أكثر من كتابة البحوث وإلقاء الخطب وإجراء المقابلات وترديد اللقاءات للرد على الشبهات والإجابة عن التساؤلات عن الإسلام والمسلمين.

إن حب النبي صلى الله عليه وسلم هو بذرة لاتباعه والاقتفاء بأثره والسير على نهجه، والامتناع عن كل ما يكرهه ويسخط عليه، وهو بذرة خير، يذرعها الله عز وجل في كل قلب اتسم بالبياض، فبازدياد حبنا للنبي صلى الله علي وسلم يزداد بياض قلوبنا ونور أفئدتنا، ثم ينعكس هذا النور على كل ما نقوم به من الأعمال، فيستنير المجتمع كله ويخلو من كل ما يفسده ويعكره.

لكن هناك سؤال يحتاج إلى الإجابة لماذا نبتعد عن أعمال الخير واتباع السنة والتظاهر بالخلق الحسن رغم ادعائنا بالحب للنبي صلى الله عليه وسلم واحتفالنا بمولده بغاية من الابتهاج والفرح وأكبر من ذلك أن هذه الاحتفالات التي لا تقام إلا حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، لا تخلو من المحرمات، ولذلك لا تأتي بنتيجة، ويذهب سهر ليلة المولد النبوي سُدى؛ بل نعود إلى بيوتنا بشيء من الإثم وسخط من الله عز وجل.

فعلينا بمناسبة هذا الشهر أن نعاهد الله عز وجل بأننا لا نالو جهدًا في العمل بما أوصاه الله نبيه محمدًّا صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أوصاني الله بتسع أوصيكم بها، أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون نطقي ذكرًا، وصمتي فكرًا، ونظري عبرًا”. (رواه البخاري)

×