الحقائق تدعوكم أيها العرب
21 أكتوبر, 2020أيها الشباب! قوموا وغيِّروا مجرى التاريخ
21 أكتوبر, 2020الحرية السياسية في المفهوم الإسلامي
تعرف حرية الرأي السياسي في الفكر الأوربي بأنها: قدرة الفرد على التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية تامة، والدساتير الغربية تنص على أن للجميع حق التعبير بحرية عن آرائهم بالقول والكتابة.
ويلاحظ على هذا الحق في المفهوم الغربي ما يأتي:
إنه يخضع للتوجيه الرأسمالي الذي يسيطر على وسائل الإعلام ويتحكم في مصادر الأخبار والمعلومات.
أنه يخضع لقيود من الدولة تتعلق بحريات الآخرين وبالأمن الداخلي والخارجي وبالمحافظة على النظام الاجتماعي للدولة فلا يباح ما يعارض ذلك.
إن هذا الحق وغيره من حقوق الإنسان في النظم الديمقراطية والاشتراكية والشيوعية ليس له من مصدر سوى آراء البشر، فهي التي تحدد هذه الحقوق أو تسلبها أو تقيدها، سواء استندت الدول في ذلك إلى أقوال بعض الزعامات التي تخطاها الزمن ومنها آراء ماركس ولينن، أو استندت إلى أن الشعب هو مصدر السلطات وهو صاحب السيادة في تقرير هذه الحقوق وتقييدها.
والذي يميز حقوق الإنسان في النظام الإسلامي أنها تستمد وجودها واستمرارها من الله خالق الحاكم والمحكوم، فلا يملك الحاكم أو الشعب أن يبدل فيها أو يقيدها أو يمسها.
أما في النظم الأخرى فإنه باسم الشعب هضمت حقوق المرأة فحرمتها القوانين من أن تنال حقها في الأجر كاملاً عن عملها كالرجل، واكتفت بمنحها نصف أجر الرجل عن العمل ذاته.
كما حرمتها من حقها في إبرام المعاملات المالية الخاصة بها حتى تحصل على موافقة زوجها، أو أن تثبت أن هذه المعاملات لا تتصل بأموال الدولة المقدمة منها إلى زوجها عند الزواج كمساهمة منها في الحياة الزوجية، وليست من أموال الزوج وليست من الأموال المختلطة.
كما حرمتها هذه القوانين من الاحتفاظ باسم عائلتها وأجبرتها على أن تحمل اسم عائلة زوجها.
لذا أوصت هيئة الأمم المتحدة بقرارها رقم 10/3/1974م أن تكون سنة 1975م هي السنة الدولية للمرأة لتعمل الدول على تعديل تشريعاتها بما يرفع التمييز بين الرجل والمرأة (تفصيل ذلك في كتاب مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين الوضعية ص: 43-54 هو مترجم إلى الإنجليزية).
وباسم الشعب مصدر السلطات هضمت حقون الشعوب بموجب الأحكام العرفية وقوانين الطواري التي يعمل بها من عشرات السنين كما هدمت مدن على أهلها وكل ذلك بتأييد من المجالس النيابية التي تمثل الشعب الذي هو مصدر السلطات.
والإسلام على خلاف ذلك كله… فحقوق الإنسان هي من الضرورات للإنسان، وليس حقاً يملك التنازل عنه وتسمي في كتب الفقه بالضرورات الخمس.
ولا يملك الحاكم أو الشعب أن يمس هذه الحقوق أو يقيدها.
فإن قبلت امرأة أن تتنازل عن حقها في الاحتفاظ باسم عائلتها وتسمت باسم عائلة زوجها يبطل الإسلام تصرفها: قال تعالى: “ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ” [الأحزاب:5].
ولهذا قال أبو بكر في خطبته بعد توليه الخلافة: “أيها الناس إنما أنا مثلكم وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وأن زغت فقوموني”.
أما الخليفة الثاني فقد سأل أحد الرعية من غير العرب – وهو سلمان الفارسي – فقال له عمر بن الخطاب: أملك أنا أم خليفة؟ قال سلمان: إن أنت جبت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة (تاريخ الطبري 3/224 و571).
لهذا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الأفراد وحق لهم، ولكنه ليس حقاً شخصياً يجوز للفرد أن يمارسه أو يتركه أو يجوز للدولة أن تقيده بقيود من عندها، كما هو الشأن في المفهوم الغربي للحقوق.
بل يجب على الشعوب والحكومات أن يضمنوا ممارسة هذا الحق وأداء هذا الواجب، حيث تحل اللعنة على الأمة إذا تهاونت في ذلك، قال تعالى: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ” [المائدة:78-79].
ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأفراد والمجتمعات وصف الله النبي بقوله تعالى: “يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ” [الأعراف:157].
ووصف أهل الشورى وأهل الحل والعقد في الأمة بقوله تعالى: “الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ” [الحج:41].
ولهذا يؤكد ابن تيمية على أن هذا الحق واجب على المسلم القادر وهو فرض على الكفاية ويصبح فرض عين على المسلم القادر إذا لم يقم به غيره، والقدرة هي السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم ويمكنهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فهذا الحق يجب على كل إنسان حسب قدرته (الفتاوى 38/65).
مفهوم الحريات لدى العلمانيين: إن الذين انحرفوا عن أصول الدين وسعوا في هدم أركانه ويعملون أن المفهوم المعاصر لحقوق الإنسان يختلف كلية عنه في الشريعة الإسلامية، لأن الحقوق في الإعلان العالمي نتاج للعلمانية الفرنسية التي انبثق عنها إعلان الحقوق الصادر سنة 1789م والذي اعترف بالحقوق لجميع المواطنين وبحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وبالشعب مصدراً لجميع السلطات وتم استبعاد حق الله تماماً خاصة فيما يتعلق بالعبادات وحق الإنسان المطلق في أن يعبد الله أو لا يعبده أو يبتدع ديناً خاصاً به، لهذا نوضح الفوارق بين الإسلام وإعلان حقوق الإنسان.
أولاً: أن الحريات العامة الواردة في هذا الإعلان ليست مطلقة فالنظم الديمقراطية تضع قيوداً على الحريات في مجالات أهمها:
أ-حماية عقيدة الشعب.
ب-حماية أمن الدولة.
ج-حماية الأفراد من الطعن فهيم.
أما النظام الشيوعي فقد قيد الحريات كلها وجعلها لمساندة النظام الشيوعي حسبما نصت عليه المادة 126 من الدستور السوفيتي.
فكيف بنا نحن المسلمين نريد أن نفهم الحقوق والحريات بغير ما يفهمه أصحاب المبادئ العلمانية يميناً ويساراً حيث وضعوا قيوداً لحماية مبادئهم، فهل تصبح القيود الواردة في الشريعة الإسلامية على الحريات بدعة وضلالة تجب محاربتها، إننا لسنا في حاجة إلى أن نقول للمسلمين إن القيود الواردة في الشريعة الإسلامية هي لصالح الفرد والمجتمع وقد أثبت علماء أوربا ذلك فيما يتعلق بتحريم الزنى وسائر الفواحش وفيما يتعلق بغير ذلك من الفواحش.
ثانياً: إن العلمانية التي انبثق عنها النظام الديمقراطي الذي يجعل الشعب مصدر السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، تجعل نواب الشعب يختصون بوضع التشريعات بالأغلبية وكذا يختصون باختيار الحاكم ومحاسبته وعزله، هذه الديمقراطية لا يعد الأخذ بها كفراً وضلالاً في ظل نظام إسلامي إذا ما تضمنت قواعده الأساسية أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريعات.
فالخلاف الجوهري بين الشريعة والديمقراطية ينحصر في حرية النواب في اختيار أي تشريع ولو خالف الأحكام القطعية في القرآن الكريم والسنة النبوية وهذه تصحَّح بالقيد سالف الذكر.
والجدير بالذكر أن النظم الرأسمالية تضع قيداً في النظام الأساسي يحول دون إصدار تشريعات تلغى النظام الرأسمالي وتتبنى الشيوعية، وكذلك البلاد التي تتبنى الشيوعية تضمنت تشريعاتها الأساسية ما يحمى نظامها الاجتماعي، أما اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله فالشريعة الإسلامية تجعل ذلك للأمة وبغير القيود الواردة في النظام الديمقراطي.
(المستشار سالم البهنساوي)