إزالة الفقر من خلال التمويل الإسلامي
4 نوفمبر, 2024التركيز هو أساس النجاح في الأعمال
4 نوفمبر, 2024الجانب الآخر
محمد سلمان نسيم الندوي
“حياة الماعز”: فيلم هندي درامي صدر في مارس 2024، تم إنتاجه بلغة مليالم بناءا على قصة عامل هندي تعرض لظروف صعبة بعد قدومه إلى السعودية، والقصة تدور حول محاولاته المستميتة للبقاء، والخلاص من الذي كان يعمل له في الصحرا سُخْرةً، ولم يكن كفيله وصاحبه، بل كلاهما كان غريبا بعضهما عن بعض، ولكن الذي العربي استغل بالمطار تبسط العامل الهندي وجهلَه باللغة وغيابَ كفيله، ونجح في إقناعه خدعة بأنه هو كفيله، وذهب به من المطار إلى الصحراء وزج به هناك.
أثار الفيلم جدلاً واسعا في الأوساط العربية وغير العربية، أما في غير العربية فبسبب الجودة الفنية والمتعة الدرامية التراجدية، وأما في العربية فبسبب أن الفيلم يعكس أن هذه القصة ليست الأولى والآخرة، بل هناك مثلها من آلاف القصص لعمال عاشوا ولايزالون يعيشون ظروفا مشابهة في الصحراء، كما تفيد التقارير الصحفية، فالشعب العربي يرى في هذا الفيلم نيلا من كرامتهم وشهامتهم، فانهالوا عليه نقدا وذما، هذا جانب، إذا فما هو الجانب الآخر؟ “الجانب الآخر” له عدة نواحي، منها:
1–ناحية الأمانة الفنية والاحترافية: فلكل فن وحرفة أخلاقيات يجب التزامها على من يمارس ذلك، وأن لا يقلب الحقيقة رأسا على عقب حبا للجودة الزائفة أو عملا بالنية السيئة، ويظهر بالكتابات عقب صدور هذا الفيلم أن المنتج لم يلتزم في فنه أخلاقيات الفن، بل قام بالتعمية والتمويه، ولم يقدم إلا ربع القصة، أما بقيتها فهي أن العامل الهندي قتل في الصحراء كفيله المزعوم وهرب، ثم تم القبض عليه، وحكم عليه بالقصاص أو الدية وهي (170) ألف ريال سعودي، وهو ما يعادل أربعين مليونا بالعملة الهندية تقريبا، فلما انتشر الخبر، وتعرف العرب <وليس لهم في القصة ناقة ولاجمل> على الحقيقة ترحموا وتعاطفوا على القاتل، لما لاقى من القسوة، وجمعوا المبلغ الهائل من مال الدية تبرعا، وذهبوا به إلى أولياء القتيل ليقبلوا الدية ويتصدقوا عليه حياته، ولما رأى أولياء القتيل هذا الجِدَّ والسماحة من عامة المسلمين العرب رقت للقاتل قلوبهم، فعفوا عن قاتل أبيهم وتنازلوا عن الدية، ثم أفرج عن القاتل، وأُعطي هذا المبلغ الهائل الذي جمع دفعا لديته وزيادة، ليستعين به على حياته إذا رجع إلى بلده، وعلى تخفيف بعض ما لاقاه في السنوات الماضية، وهنا روح القصة وخلاصتها أن هذا العامل المظلوم والقاتل الغشوم والسجين المحكوم عليه بالقتل المحتوم لماوجد نفسه حرا طليقا، بل مفدى ومكرما، وكان قد قطع كل أمله في الحياة، تأثر بسماحة الإسلام والمسلمين، وانقلب السحر على الساحر فاعتنق الإسلام طائعا لامكرها، راغبا فيه لا كارها له، هذه النهاية هي النقطة المثيرة في القصة، ولكن المؤسف أن المنتجين للأفلام تعمدوا إخفاء هذه النهاية من القصة، التي تثبت أن معدن العرب بل معدن الإسلام هو الخير كله، وإنه ليعروه حينا ما ينغصه كما يعرو كل قوم، في كل زمان، وفي أرقى المجتمعات. قال ابن الرومي:
ليس به عيب سوى أنه | لا تقع العين على شبهه |
2–ناحية العصبية المقيتة: وهناك ناحية أخرى في هذا الجدل العقيم تذر كل حليم حيران< ولست من الحلماء> وهي أن الضمير العربي العام استيقظ < وياليته لم يستيقظ فيما استيقظ> إذ نيل من عروبته في الصورة والقصة والخيال، ولكنه لم يستيقظ من سباته العميق إذ نيل من إسلاميته في عقرداره، لا في الصورة والقصة والخيال، بل على أرض الواقع، ومن نخوته وشهامته < الإسلامية أولا، والعربية ثانيا، والإنسانية ثالثا > في أعز جاره في فلسطين، وفي أقرب إخوانه في البلدان الأخرى ولا سيما في الهند، تعرض بعض الكتاب في هذا الجدل بالدفاع عن المسلمين الهنود، لاغضبا للإسلام والمسلمين، بل غضبا للعروبة، قائلين: بأن هنديا لوتعرض لظلم عربي، فكم من المسلمين الهنود يتعرضون للاضطهاد في الهند؟ ياليتهم لم يفعلوا! أهكذا يُدافع عن قضية الإسلام والمسلمين؟ أوكلما واجه المسلمون في العالم كارثة انتظر فريق من العرب للدفاع عنهم إلى إنتاج مثل هذا الفيلم؟ “ماهكذا تورد الإبل” كما قلتم قديما أيها العرب؟ إن مثل هذا الدفاع ليس دفاعا عن أصل القضية، بل إنه دفاع عن العروبة، وإنه عصبية مقيتة.
3–ناحية العقلية الجادة: وهناك لفيف من الكتاب أخذهم هذا الجدل مأخذ الجد، فدعوا إلى الاعتبار والإصلاح،وإلى تفادي وقائع الظلم، وأخذ يد الظالم ونصرة المظلوم، أياكان وأينما كان، فالظلم مرتعه وخيم، وأن لاتأخذ العرب العزة بالإثم <وعلى نفسها جنت براقش> ودعوا إلى عرض القصة كاملة على الساحة العالمية لتظهر حقيقة الإسلام، وشهامة العرب، كما استغل بعضهم هذا الجدل للدعوة إلى إنشاء مؤسسات فنية إعلامية < هادفة وبناءة لا ترفييهية وعبثية> تقوم بعرض مزايا الإسلام والمسلمين على الساحة العالمية بالجودة الفنية العالمية في إطار الحدود الشرعية، ولعل هذه المؤسسات تكون “البديل الأنسب” في وجه التيار السينمائي الذي اكتسح بعجره وبجره العالم العربي، وجثم على صدره، فإن الحديد لا يفلح إلا بالحديد، والنبع لا يقرع إلا بالنبع، قال الإمام ابن القيِّم: (مِنْ فِقْهِ الْمُفْتِي وَنُصْحِهِ إذَا سَأَلَهُ الْمُسْتَفْتِي عَنْ شَيْءٍ فَمَنَعَهُ مِنْهُ، وَكَانَتْ حَاجَتُهُ تَدْعُوهُ إلَيْهِ، أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَا هُوَ عِوَضٌ لَهُ مِنْهُ، فَيَسُدُّ عَلَيْهِ بَابَ الْمَحْظُورِ، وَيَفْتَحُ لَهُ بَابَ الْمُبَاحِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِنْ عَالِمٍ نَاصِحٍ مُشْفِقٍ قَدْ تَاجَرَ اللَّهَ وَعَامَلَهُ بِعِلْمِهِ. فَمِثَالُهُ فِي الْعُلَمَاءِ مِثَالُ الطَّبِيبِ الْعَالِمِ النَّاصِحِ فِي الْأَطِبَّاءِ يَحْمِي الْعَلِيلَ عَمَّا يَضُرُّهُ، وَيَصِفُ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ، فَهَذَا شَأْنُ أَطِبَّاءِ الْأَدْيَانِ وَالْأَبْدَانِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» وَهَذَا شَأْنُ خُلُقِ الرُّسُلِ وَوَرَثَتِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ…«وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا أَنْ يَشْتَرِيَ صَاعًا مِنْ التَّمْرِ الْجَيِّدِ بِصَاعَيْنِ مِنْ الرَّدِيءِ، ثُمَّ دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُبَاحِ، فَقَالَ بِعْ الْجَمِيعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» فَمَنَعَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْمُحَرَّمِ، وَأَرْشَدَهُ إلَى الطَّرِيقِ الْمُبَاحِ…)< إعلام الموقعين عن رب العالمين:ج/4ص:122>