مكانة الصحابة
22 أكتوبر, 2020الفكر نور
9 يناير, 2021الأسوة الحسنة
أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهدت الكرة الأرضية – أيها الأخ – في تاريخها الطويل كثيراً من كبار المصلحين والمجددين والزعماء والقادة، وتشرفت الأرض بوجود الأنبياء والمرسلين الذين كانوا منارات الحق والهدى ومصابيح الدجى، وكل منهم بكونه زعيما وقائدا ومصلحا ومجددا ونبيا ورسولا يمتاز بوصف من الأوصاف الحميدة، ويفوق غيره بشيمة كريمة لا نجدها عند غيره، ويختص بكمال تارة في ميدان العلم أو في مجال الخلق الحسن أو في باب الإنابة والعبودية لله الواحد الأوحد الأحد، وفعلا ذاع صيته بصفته تلك، وسطع نجمه بكماله في ذاك، وضرب بهم المثل حتى خلدهم الله بذكرهم في محكم كتابه، فذكر سيدنا أيوب عليه السلام مثالا للصبر عند المصائب والرضا بما لاقاه في حياته من الشدائد، فأثناه الله سبحانه حيث قال: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ” [الأنبياء:83-84] ووصفه في سورة أخرى بإنابته إلى الله عند الشدائد “إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ” [ص:44].
وقال في إبراهيم تبياناً لما تتجمل به حياته من الصبر والمثابرة والعزم والمجاهدة والنفور من الشرك وإخلاص العبودية لله والتفاني في سبيله والاستماتة في الحصول على رضاه وبذل أغلى ما لديه من نفائس الدنيا وراحة القلب “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ” [التوبة:114].
وذكر اسماعيل بما يتصف بصدق وعده وامتثال أوامر ربه أصدق الامتثال، والإيفاء بما عليه من واجب طاعته فقال: “إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا” [مريم:54] ووصف كذلك سيدنا إدريس عليه السلام “إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا” [مريم:56-57].
وضرب يوسف مثالا صادقا في صلة الارحام والبر بالوالدين والإخوة والأقارب بما تجمل به من الخلق الكريم وما خلفه من ذكر عطر وماض زاهر، وما نطق به في تأويل الرؤيا عن علم راجح، وعقل حصيف، فذكر القرآن الكريم كالحاكم اليقظ والأمير الفطن الأريب، وكتبه الله في صحيفة الأنبياء أولي العزم الأخيار، واعترف هو أيضا بنعمه الوافرة على نفسه حيث ذكره محكم كتابه: “رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ” [يوسف:101].
أما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد استجمع الأخلاق كلها، وحاز بأكرم شيم الأنبياء، وأنبل صفات الرسل الصادقين، فهو في الواقع مفخرة الإنسانية، ومجمع الخير وهو الرسول الصادق الأمين ومنبع الهداية والنور ومطلع الحق والهدى، بوجهه المشرق طلعت تباشير العدل والإحسان، وتفجرت ينابيع العلم والعرفان وبه تنسمت الإنسانية شذى العدل والحرية والسعادة المطلقة وهو الإنسان الكامل بكل ما فيه من الكمال والاكتمال الإنساني وما وجدت صفحات التاريخ مثيله في بطونها ولن تجد أبدا، وما عرفت العصور المتطاولة غيره في أيامها ولياليها.
لهذا الكمال والاكتمال تميزت سيرته العطرة عن كل سير القادة والمصلحين والعظماء والأنبياء والمرسلين، بل قدر الله سبحانه أن يكون دينه منفردا ممتازا في تأسيس الدولة وتنظيم المجتمع وتوحيد الأمة حتى أصبح دينه حارسا للأديان السابقة ومهيمنا عليها، بما يجمع بين الدين والدنيا والأرض والسماء والاجتهاد والعصمة والدين والدولة والفرد والأمة والتكاليف الفردية والجماعية والعقل والنقل والتجربة والوجدان.
لذا من الحق أن يكون هو القدوة الحسنة للبشرية جمعاء، وأن تكون حياته الأسوة الوحيدة على السواء “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” [الأحزاب:21].
(محمد خالد الباندوي الندوي)