الصراع بين أرمينيا وأذربيجان وخلفيته التاريخية
12 نوفمبر, 2020ولد الهدى فالكائنات ضياء
12 نوفمبر, 2020الرمزية في الشعر العربي القديم
إن العصا قرعت لذي الحلم: الهدف وراء كتابة هذا المثل المضروب هو أن الأديب والفنان لا يستخدم الرمز أو الرمزية إلا إذا لم يرد الايضاح والتبيان وإنما يريد الغموض والتلميح لكي يخوض السامع والقارئ غمار انتاجه ويستخرج المعاني حسب علمه وذوقه ويتردد في ترجيح معنى واحد كأنه يريد أن يبلغ ما يريد إبلاغه بدون أن ينال من الأذى والضرر مثل الإنسان الذي يود قتل الحية بدون أن يصيبه الضرر.
الرمز لغة: الإشارة بالشفتين أوالعينين أو الحاجبين أو اليد والفم واللسان(1).
يقول الشاعر:
وقال لي برموز من لواحظه
إن العناق حرام قلت في عنقي
وأما في الاصطلاح: فإن الرمز ينم عن اللفظ القليل المشتمل على معان كثيرة بإيماء إليها أو لمحة تدل عليها. وفي العصر الحديث الرمزية هي حركة أدبية ظهرت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، يكون الرمز، فيها لغة، والموسيقى إيقاعا، والجمالَ غاية ومحورا. والرمز هنا معناه الإيحاء أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها في دلالتها الوضعية، بحيث تتولد المشاعر عن طريق الآثار النفسية لا عن طريق التسمية والتصريح(2).
بعد تأمل كبير وتصفح الكثير من الأوراق لكتب الأدب العربي يمكننا القول بأن الرمزية ليست وليدة الزمن الحديث ولا قرينة بالأدب الغربي بل هي من الفنون الأدبية التي عرفها الأدب العربي الكلاسيكي من قبل بودلير وإدجار ألان بو، ومالارميه. والرمز في الأدب الجاهلي كان موجودا في كلام الكهانة لأنهم يتفوهون بألفاظ ذات معان غير واحدة يقول العقاد “والرمزية التي يسأل عنها الأديب البغدادي قديمة في العالم؛ لأن الناس عرفوا الكتابة بالرموز قبل أن يعرفوا الكتابة بالحروف، ولأن الكهانات الأولى كانت تستأثر بأسرار الدين وتضن بها أن تُذاع للعامة على حقيقتها الصراح، فكانت تعمد إلى الرموز أحيانًا للتعبير عن تلك الأسرار، ثم ارتفع حجر الكهانات عن أسرار الدين، فتكلم الناس فيها وأفصحوا عما يعتقدونه من خفاياها، ولكن الولع بالأسرار والبحث عن الغوامض والغيوب طبيعة في بعض النفوس، لا تخرجهم منها صراحة القول ولا إباحة التفكير المطلق لمن يشاء”(3).
وعلاوة على هذا كان الأدب الهندي واليوناني يتمتعان بوجوده كما نجد في مهابهارتا والملاحم اليونانية. نعم ولكنها ليست بشكل مدرسة أدبية مستقلةٍ أوحركة أدبية.
هناك العديد من النصوص والأبيات التي استخدم فيها العرب الرمز بطريقة أحسن من الرمزية الحديثة، على سبيل المثال استعان الشاعر الذي وقع أسيرا في أيدي بني تميم بالرمز إلى الأعداء بالذئب وإلى الفلاة بالناقة الحمراء والجبل بالبازل الأصهب وهو يريد أن يخبر قومه لكي يرتحلوا قبل أن يشن العدو الإغارة فقال فيه
خلوا عن الناقة الحمراء أرحلكم
والبازل الأصهب العقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضرت براثنها
والناس كلهم بكر اذا شبعوا
ويقول طرفة بن العبد
ولست بحلال التلاع مخافة
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
يقول أنا لا أحل التلاع مخافة حلول الأضياف بي أو غزو الأعداء إياي ولكنني أعين القوم إذا ستعانوا بي إما في قرى الأضياف وإما في قتال الأعداء والحساد(4).
في هذا الشعر “حلال التلاع” رمز للبخل أو الجبن. وكذلك طويل النجاد رفيع العماد كثير الرماد ” كناية عنه بأنه كريم جواد سخي. وحينما يقول العربي “قلبت له ظَهر المجنّ” ـ والمجن هو الترس الذي يستتر به المحارب من وقع السهام والرماح ـ فإن هذا التعبير رمز أو كناية عن تغير المودة. وحينما يقول العربي “ذاب بينهم الجليد”، فإن ذلك التعبير رمز أو كناية عن رجوع أواصر المحبة أو علاقات التعاون بعد أن كانت مقطوعة. وكذلك “فلان عريض الوسادة”، يرمزون إلى بلاهته وبلادته، إذ يترتب على عرض الوسادة عرض القفا، ويعتقد العرب أن عريض قفا الرأس يكون ـ عادة ـ بليداً، كما أن واسع الجبين عريضه يكون ـ عادة ـ نابها ألمعيا ذكيا. فالكناية رمز يأتي في صور قصيرة موجزة. وليست الرمزية وليدة العصر الحديث لأن الرمزية الأصيلة ولدت في سماء الأدب العربي منذ العصور القديمة، كما رسم ابن عربي المتصوف خطوطها، وسار على ضوئها تلميذه الشاعر ابن الفارض المصري، وكتب أشعاراً كلها رموز، يقول ابن الفارض في الشعر وهو في مبدء صوفي:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة
سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرم
وأحسن بما قال فايز علي “..ومهمتنا في هذه الدراسة أن نوضح أن الرمزية ليست وليدة الزمن الحديث ولا هي قرينة بالأدب الغربي عامة والأدب الفرنسي على الوجه المخصوص وإلا عد هذا نوعا من التجاهل لحقائق واضحة في تاريخ الأدب الإنساني الذي بدأ مسيرته منذ عدة آلاف من السنين لا يمكن بحال من الأحوال تجاهلها فأين إذا إسهامات الملاحم الهندية واليونانية بل أين رمزية الصوفيين في الإسلام وقبله”(5).
اشتمل القرآن الكريم على صور تمثل الرمزية العربية في أسمى مظاهرها وفي كلا ركنيها الإيجاز وغير المباشرة في التعبير قال تعالى ” شجرة الزقوم طعام الأثيم..” شجرة الزقوم ترمز إلى طعام مر مرير. ورمز عبد الله ابن قيس الرقيات في قصيدة يستعطف بها عبد الملك بن مروان بسعدي إلى عبد الملك وذكر ماكان من عفو عبد الملك عنه بعد قتل مصعب الذي كان هو من أتباعه
قال:
بشر الظبي والغراب بسعدي
مرحبا بالأذى يقول الغراب
قال لي إن خير سعدي قريب
قد أنني أن يكون منه اقتراب(6)
وقول زياد الأعجم
إن السماحة والمروءة والندى
في قبة ضربت على بن الحشرج
أبين فما يزرن سوى كريم
وحسبك أن يزرن أبا سعيد
في هذين البيتين استخدم الشاعران الرمزية كما نرى أن الأول يرمز بالقبة التي ضربت على بن الحشرج والثاني يرمز إلى أبي سعيد بالكرم(7).
ولعلما اتضحت أمامنا بما سردنا أن الرمزية كان يتمتع بها الأدب العربي القديم وهي كانت موجودة في الشعر العربي القديم ولكن ليست بالاسم الرمزي أولم يتم إنتاجها تحت راية المدرسة الرمزية الحديثة كما تمت في العصر الحديث.
وهناك ينشأ سؤال إن كانت الرمزية موجودة في الشعر العربي القديم فلماذا تها فت الأدباء العرب على هذه الرمزية الحديثة والرد على هذا السؤال أن عصور الانحطاط قد أغفلت الأدباء عن التفكير في أي شيء فلم يتوجهوا إلى هذا الجانب الفني، ولكن حينما هبت رياح النهضة وطلعت تباشيرها وتغيرت الظروف السائدة فمست الحاجة إلى تغيير في مجال الأدب العربي فلبى الناس على كل ما دعت إليه أوربا لأن هذه النهضة العلمية والأدبية ظهرت من قبلها والمحكوم دائما يتأثر بالحاكم ولكن حينما انكشفت غمة السكران فراجع النقاد إلى تراثهم الأدبي فوجدوا أن الغرب قد عرضوا أكثر الأشياء بمجرد تغيير الاسم فقط ولعب الاستعمار الأجنبي والفرنسي والبريطاني والإرساليات التبشيرية والاستشراق على وجه المخصوص دورا لاينساه التاريخ أبدا في إلباس الأشياء ثوبا جديدا.
الهوامش:
1-القاموس المحيط “مادة الرمز”، مكتبة مدنية بسهارنفور 2012
2-ملخص من المقالة الصادرة في مجلة ديالي حول الرمزفي الشعر العربي ص 12الى 58 عام 2011في العدد الثاني وخمسون
3-المدرسة الرمزية عباس محمود العقاد مجلة الرسالة 16 أبريل 1945م
4-شروح المعلقات السبع للزوزني ص 80 نشرت مكتبة إحسان بلكناؤ
5-الرمزية والرمانسية في الشعر الحديث لدكتور فائز على ‘ نسخة الكترونية ص 59.60
6-الرمزية في الأدب العربي والغربي ص 6 الكاتب سيد أمير محمود غلام رضا عضو هيئة آزاد الإسلامية بطهران
7-ملخص بتصرف من الكتاب الترميز في شعر عبدالوهاب البياتي ص17
محمد سعود الأعظمي