من وحي شهر الربيع الأول

ولد الهدى فالكائنات ضياء
12 نوفمبر, 2020
كيف نتغلّب على الجرائم
12 نوفمبر, 2020

من وحي شهر الربيع الأول

ما إن حلّ شهر الربيع الأول حتي يدب دبيب الحرارة والشوق إلي القلوب المؤمنة ويثير فيها شرارة المحبة والهيام. وينفذ الناس بهذه المناسبة كل نوع من التجهيزات الرائقة والاستعدادات المادية وذلك للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه ألف ألف تحية وسلام. حيث يتم تزيين المنازل بالأنوار وتنوير الأزقة والطرق بالفوانيس الكهربائية والمصابيح المتلألئة ويجري تدلية أكاليل الأزهار والورود على جدران البيوت. وكذلك تطبخ ألوان من الأطعمة والحلويات وتصنع أصناف من المشروبات الباردة والحارة. وتعد هذه المناسبة السارة عطلة رسمية في عديد من الدول الإسلامية تعبيرا عن الفرحة والابتهاج. وعلاوة على ذلك، تقام مجالس، تنشد فيها أبيات في المديح النبوي الشريف وتلقى الخطب عن السيرة النبوية على صاحبها ألف ألف تحية وسلام.

مما لاشك فيه أن المولد النبوي الشريف يعتبر مشهدا عظيما لا مثيل له من التاريخ، وأن البعثة النبوية الشريفة جاءت رحمة للإنسانية جمعاء، ومنة إلهية كبرى على النوع البشري كله. حيث يقول الله عز وجل: إنا أرسلناك رحمة للعالمين. وكانت البعثة النبوية تشتمل على الأخلاق الفاضلة والتعاليم الإنسانية السامية، وأتاحت للإنسانية قانونا ربانيا خالدا، كان يحتوي على العدل والإنصاف بين جميع طبقات البشر دون النظر إلى ديانة الفرد ولونه ومسكنه. وكل ذلك في زمن كان يسوده الظلم والطغيان وكانت البشرية تتسكع في جهالة جهلاء وضلالة عمياء وقد كان العبد ضل عن الطريق السوي وركب الأهواء والشهوات ونسي خالقه وطغى على نفسه. وفي مثل هذه الساعات العصيبة، ولد نبي الرحمة ورسول البشرية صلى الله عليه وسلم، فنهض بأعباء المسئولية التي فوضها الله إليه وصدع بما أومر به من الرسالات الإلهية وواصل سيره في طريق النبوة وأداء المسئولية، حتى تمكن من صياغة الرعيل الأول في بوتقة الأخلاق السامية والفضائل والبر والتقوى، فكأنه لم ينقل الرسالات والتعاليم الإلهية فقط بل طبقها على الحياة ومثل قدوة حسنة للإنسانية جمعاء.

في هذه الفترة، حينما نعبر عن فرحنا وابتهاجنا خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فإنه من الواجب علينا أن نطبق التعاليم النبوية الكريمة على حياتنا في كل مكان ونمثل الأخلاق السامية في كل عشية وضحاها. وينبغي لنا أن نحتفل بالمولد النبوي الشريف كيوم الإنسانية، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للإنسانية جمعاء وجاء بالقانون الخالد الذي يشتمل على العدل والفضيلة لجميع الأفراد والمجتمعات البشرية حتى الحيوانات والجماد حيث أمرنا رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم بمعاملتهم بالرفق واللين.

هذا اليوم المبارك يطالب منا المشاركة الفعالة في النشاطات الاجتماعية والممارسات الخيرية. وكذلك علينا أن نقوم بإلقاء الخطب حول السيرة الطيبة العطرة النيرة وتوضيح جوانبها في أسلوب رشيق جذاب وتوزيع الكتائب عنها بين الناس ونشر تعاليمه الكريمة.

على كل، إن هذا اليوم عبارة عن رفض العصبية والمحاباة والحريات الزائفة، التي ربما تثير المشاعر والعواطف، وتجرح القلوب، وتنهش الإنسانية، وتلعب في إعداد بيئة سامة ذات خناق. وهذا اليوم يوحي بمحو الفروق بين جميع شرائح النوع البشري، ومقاوضة الظلم والطغيان والانقسام والإرهاب. ويحمل هذا اليوم في طياته استنكارا وإدانة بكل نوع من الرذيلة والفساد. حينما نحتفل بهذا اليوم كيوم الإنسانية ونطبق التعاليم النبوية والأخلاق الفاضلة على حياتنا سوف نتمكن من إيجاد بيئة صالحة يشعر فيها كل إنسان براحة واطمئنان بالغين ويقر له قرار.

 

محمد عامر خان الندوي

شركة جنبا كت، حيدرآباد، تلنكانة (الهند)

×