بقاء الأمة وسيادتها

حقيقة معاهدات السلام مع إسرائيل
22 نوفمبر, 2025
حقيقة معاهدات السلام مع إسرائيل
22 نوفمبر, 2025

بقاء الأمة وسيادتها

د. محمد وثيق الندوي
إن الأمة الإسلامية تمتاز من بين الأمم الأخرى، بكونها صاحبة غرض أسمى مقرر، وهدف أعلى معين، وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ” (آل عمران:110) وهذا الغرض الأسمى هو الذي يميز الأمة الإسلامية عن الأمم الأخرى التي ليست إلا وليد أغراضها وأهوائها، ورهين بطنها وشهواتها، تعيش لأجلها، وتموت في سبيلها، وأما الأمة الأسلامية فهي أمة أخرجت للناس، والدعوة إلى الخير، وإنقاذ البشرية وإسعادها،وقد حافظ المسلمون على هذا الغرض الأسمى والرسالة الخالدة التي انبثُّوا بهافي أرجاء المعمورة، فدانت لهم الدنيا، وحصل لهم العز والشرف، والغلبة والقيادة، ما داموا ملتزمين بما نيط بهم من مهمة، وهي مهمة الدعوة إلى الله، والوصاية على البشرية، وهدايتها إلى الحق.
ولكن المسلمين -كما كتب سماحة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في كتابه “إلى الإسلام من جديد”-“قد تشاغلوا بالدنيا كالأمم الأخرى، وسعوا وراءها، وعقدوا بها حياتهم، فسعي وراء المادة في غير اقتصاد، واكتساب من غير احتساب، سهر في غير طاعة، وعمل في غير نية، وتجارة في لهو عن ذكر الله، وحرفة في جهل عن دين الله، ووظيفة في الإخلاص لغير الله، وحكومة في مشاقة الله، وشغل في ضلالة، وقعود في بطالة، وحياة في غفلة وجهالة”.
نسيت الأمة الإسلامية مهمتها الجوهرية ورسالتها الأساسية، فتعرضت للذل والهوان، في كل مكان، وحينما نهضت بمهمتها -مهمة الدعوة والقياة والتوجيه- أحرزت الغلبة والقيادة والسيادة، والسبق في سائر مجالات الحياة، فبقاء الأمة وسيادتها منوط بمهمة الدعوة وأداء رسالتها نحو الحياة والإنسان والكون، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم.
لقد ربَّى الرسول صلى الله عليهم وسلم صحابته تربية عقدية، وروحية، وعقلية، وخلقية، فأصبحوا حداة الركب البشري، وهداة الأمم،” أصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، وفي اليوم رجال الغد، لا تجزعهم مصيبة، ولا تبطرهم نعمة، ولا يشغلهم فقر ولا يطغيهم غنى، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا، وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم، قوامين بالقسط، ولو على أنفسهم، أو الوالدين والأقربين، وأصبحوا عصمة للبشرية، ووقاية للعالم، وداعية إلى دين الله، واستخلفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في عمله، ولحق بالرفيق الأعلى، قرير العين من أمته ورسالته”.(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين).
فإن التزكية السليمة والتربية القويمة هي الأساس في إعداد الطاقات والكوادر للقيام بمهمة الدعوة والقيادة والتوجيه، وإعداد الأكفاء في مهام الأعمال، وأمرُ الأمة لا ينتظم إلا بمصلين ورجال أعمال قائمين، وفضلاء مرشدين كما قال الحكماء، فالمؤمن الحق هو معقل الإنسانية، وأمين الله في الأرض، وخليفة الأنبياء، فالمطلوب إعداد كوادر مخلصة للدعوة الإسلامية واحتضانها والاستماتة في سيبيلها، وتفضيل منهج الحياة الإسلامي على جميع مناهج الحياة.
إننا نرى في هذا العصر أصحاب الخبرات والكفاءات العلمية في مختلف مجالات الحياة منحرفين عن الصواب والسداد في كتاباتهم ومؤلفاتهم، وفي انتاجاتهم واتجاهاتهم الفكرية، وفي أعمالهم ومناهجهم حتى سلوكهم وتعاملهم، لأنهم تلقوا العلم المجرد الذي لم يرافقه التوجيه السماوي والهداية الربانية، وإن العلم المجرد عن الاتصال باسم الربّ سبحانه وتعالى، يجرّ صاحبه إلى الزيغ والضلال، والانحراف، وكذلك الذين يتلقون التعليم بدون التربية الدينية الصالحة الراسخة ليسوا بنجاة من هذا المرض، فيسببون البلبلة الفكرية والتشكيك في المسلمات، والآداب الدينية.
فإن إصلاح القلب وتزكية النفس وصياغة الذهن في القالب الإسلامي الصحيح السليم، هي الدعامة الأولى لبناء الحياة الصالحة المطلوبة، فإذا لم تصلح النفوس أظلمت الآفاق، وسادت الفتن، وقد أشار إلى ذلك رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:” ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”.