كل ميسر لما خلق له

عاتب نفسك بنفسك
22 نوفمبر, 2025
عاتب نفسك بنفسك
22 نوفمبر, 2025

كل ميسر لما خلق له

أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن في الكون – أيها الأخ – نظاما دقيقا لايتحول،و سنة جارية لا تتبدل، وقد أشار إلى ذلك النبي الأعظم حيث قال : “كل ميسر لما خلق له” أي أن كل مخلوق قد هيأه الله لما خلق له،ويسر له أسبابه، فقد خلق من الناس أصنافا وألوانا،وميزهم بقدرات ومواهب، فمن الناس من فتح له في العلم، ومنهم من فتح له في العمل، ومنهم من جبل قلبه على الرحمة، ومنهم من فطر على الحزم، ومنهم من حبب إليه إسعاد الإنسانية وآخر جعله يسعى إلى المكارم الأخرى، وإن هذا التفاوت ليس نقصا، بل هو قوام الحياة وتمامها.
وإن من العجب كل العجب من أولئك الذين يريدون أن يكونوا غير ما خلقهم الله له! فهم يعاندون الفطرة ويقسرون المواهب على ما لم تجبل عليه، فيتعبون أنفسهم، ويظلمون قدراتهم، ويخسرون سكينة الرضا،فقد نرى كثيرا ممن يخوض في ميدان السياسة وهو لم يخلق له بل قد خلق للعلم والأدب،ونرى آخرين يصلحون لمجال الوعظ والإرشاد وهم يولعون بالتفوق في مجال القيادة، وكم من كاتب ضيع نفسه في وعظ لا يحسنه، وخطيب خباصوته في ميدان ليس له.
وإن من الذكاء والفطنة أن تصغي –أيها الأخ – إلى صوتك الداخلي، وتتأمل فيما وهبك الله من موهبة واستعداد، لأن الله إذا أراد أمرا جعلك قادرا عليه،ويسر لك أسبابه، وفتح لك أبوابه،لا حيث يجرك الناس إليه، وتجبرك عليه الظروف.
ونسوق لك أمثلة رائعة من التاريخ الإسلامي سجلها الشيخ عائض القرني في كتابه “لا تحزن” حيث شرح الفكرة شرحا جميلا يقول:
“في الحديث “كل ميسر لما خلق له” فلماذا تعتسف المواهب ويلوى عنق الصفات والقدرات ليّا؟ إن الله إذا أراد شيئًا هيّأ أسبابه، وما هناك أتعس نفسًا وأنكد خاطرًا من الذي يريد أن يكون غير نفسه، والذكي الأريب هو الذي يدرس نفسه، ويسد الفراغ الذي وضع له، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، هذا سيبويه! شيخ النحو، تعلم الحديث فأعياه، وتبلد حسّه فيه، فتعلم النحو فمهر فيه، وأتى بالعجب العجاب، يقول أحد الحكماء الذي يريد عملاً ليس من شأنه كالذي يزرع النخل في غوطة دمشق ويزرع الأترجّ في الحجاز، حسان بن ثابت لا يجيد الأذان لأنه ليس بلالاً، وخالد بن الوليد لا يقسم المواريث لأنه ليس زيد بن ثابت وعلماء التربية يقولون: حدد موقعك!
وللمعارك أبطال لها خلقوا

وللدواوين حُسّاب وكتّاب”

فاعرف نفسك – يا أخي – ولا تخالف فطرتك،وابحث في الحياة عن موضعك الذي وضعت فيه حكمة الله، وسدّ المكان الذي خلقت له، إذ الطائر لايقدر على السباحة بل يحسن الطيران، كما أن السمكة لا تستطيع الطيران، وإنما تجيد السباحة، ولكن كليهما يسبح بحمد ربه بطريقته، فكن أنت كما خلقت لا كما يريد منك الناس أن تكون.
(محمد خالد الباندوي الندوي)