الإسلام هو البديل
21 نوفمبر, 2024الشيخ علي الطنطاوي (2)
د. محمد وثيق الندوي
كانت للشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله–وقفات شجاعة، وتحديات جسورة، جعلت الكثير من الخصوم ينكمشون ويتضاءلون أمام هذا الداعية الصلب في مقارعة الباطل وأهله، في الوقت الذي كان فيه يتبع أسلوب التشويق الجميل الجذاب لهداية الناس وتقريبها إلى جادة الصواب، وإعانتهم على الالتزام بمنهج الإسلام، عقيدة ونظامًا ومنهج حياة.
ومن مواقفه الجرئية موقفُه ضد الطغيان الناصري بمصر الذي حارب الإخوان المسلمين في أرض الكنانة، وسجن الآلاف المؤلفة من رجالهم، وعلق الكثير من قادتهم الأبطال الأفذاذ على أعواد المشانق، وكان”يوم الحداد” يومًا مشهودًا على هؤلاء الشهداء الأبرار، وفي مقدمتهم الشهداء العظام: عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف، وغيرهم، فقد سخر قلمه بالكتابة في الصحافة عن جرائم الدكتاتور، وكذا أحاديثه الإذاعية، وخطبه ومحاضراته التي أشاد فيها بحركة الإخوان، ومؤسسيها ودعاتها ومجاهديها في مصر وسورية والعراق.
وشارك مشاركة فعالة في القضايا الوطنية، وقاوم الاحتلال الفرنسي لسوريا بخطبه النارية، وبيانه الساحر، وأيد الوحدة الاندماجية مع مصر، وعارض الطنطاوي القومية والاشتراكية فاعتقل وأودع في السجن.
وكان الشيخ علي الطنطاوي هو الفارس المجلي، والبطل الشجاع، والرجل المقدام، الذي يواجه الصعاب، ويتحدى قوى البغي والطغيان، دون خوف أو وجل، وقد منحه الله عزوجل قوة الحجة، وبلاغة القول، ونصاعة البيان، والذاكرة الحافظة للأحداث والوقائع والتواريخ. (1)
وكان الشيخ الطنطاوي على ميله للفكاهة وعلى ما يتمتع به من خفة الروح، في مقدمة العلماء التزامًا بالإسلام، وتخلقًا بآدابه، وكان في حقيقته شديد التقوى لله، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا سطوة غاشم، وكانت التقوى لله تجعله أحيانًا كالأسد في جرأته وإقدامه، وتجعله أحيانًا أخرى من أرق الناس قلبًا، ومن أكثرهم خشية لله، وتواضعًا له، وكان عندما يخطب في الناس ينقل إليهم ما يشعر به في قلبه، بل في كيانه كله، فيكون من ذلك مشاركة وجدانية وتأثير عميق في الجماهير التي تستمع إليه. (2)
وكان الشيخ الطنطاوي يعد اللغة العربية هي لسان الإسلام، ويرفض استخدام الكلمات الدخيلة المنقولة من اللغات الأجنبية إلا بعد تعريبها أو إيجاد البديل لها، مثل كلمة”الرائي” بدل كلمة “التليفون” وكلمة “الراد”بدل “الراديو” كما عرب كلمة الكيلو بالكيل، وغيره، ودافع عن الفصحى دفاعه عن الإسلام، ودافع عن الأدب الراقي، وقاوم الأدب السوقي ودافع عن عمود الشعر العربي.
وكانت اللغة العربية عنده كبرى المعجزات التي لا يستطيع أحد أن يكشف كل أسرارها، ويقتحم مكامن جمالها، ويقول: “إن اللغة العربية معجزة الذهن البشري، وأعجوبة التاريخ في عصوره كلها، وإذا كان التاريخ يذكر ولادة كل لغة ويعرف مراحل نموها ومدارج اكتمالها، فإن العربية أقدم قدماً من التاريخ نفسه، فلا يعرفه إلا كاملة النمو بالغة النضج”.(3)
كاتب مسرحي:
ومن الملاحظ أن الطنطاوي أول من كتب مسرحية إسلامية مقتبسة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكتب توفيق الحكيم مسرحية محمد، فكأنه وضع الخط الذي يجب أن يتبع في كتابة مسرحية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث التزم بكل وقائع السيرة في الفصل المسرحي الذي دبجه تحت عنوان”أبو جهل” التزم بكل وقائع السيرة دون جموح إلى الخيال، وهذا ما التزمه الأستاذ الحكيم ونص عليه في مقدمة كتابه، وهو التزام عسير لا يسير، لأن تنميق الحوادث الواقعية في أسلوب حواري مطرد، دون أن يتسع المجال لخيال يملأ الفجوات أو يرسم الملامح مما يشق على غير الأديب الملتزم، ولا أدرى لماذا لم يواصل الأستاذ تأليف فصول مسرحية مماثلة، لعله نظر فوجد توفيق الحكيم قد استلهم أحداث السيرة بما كان في نفسه فانتقل إلى القصة وغادر المسرحية لغير عود.(4)
في مجال القصة
وقد تنوع نتاج الشيخ علي الطنطاوي القصصي، فبعضه للكبار، وبعضه الآخر للأطفال، مما يكشف عن مزيد اهتمام بالنفس البشرية في كل مراحل حياتها، وسعة تجارب الشيخ إنسانيًا، وذلك بعد إسلامي يشكل توجهاته الدعوية.
أما نتاجه القصصي للكبار فقد تنوع أيضاً بين:
أولاً: مجموعات قصصية مثل: “قصص من التاريخ” و”قصص من الحياة”
ثانياً: كتيبات صغيرة يتضمن كل منها إحدى قصصه مثل:”الباب الذي لا يغلق في وجه سائل” و”قصة كاملة.. لم يؤلفها بشر”.
وثمة نوع ثالث: يتمثل في سير الشخصيات التي عكف الشيخ على محاولة رسم صورة لكل شخصية منها خلال عرضه لبعض مواقف حياتهم المختلفة.
أسلوبه
يقول عن أسلوبه:
“إنني اتبعت في الكتابة أسلوبًا يكاد يكون جديدًا، وعرف بي، وعرفت به، وما كان في أساتذتي الذين قرأت عليهم، ولا في الأدباء الذين قرأت لهم، وأفدت منهم، من له مثله حتى أقلده فيه وأتبع أثره، وإن كان فيهم من هو أبلغ مني، وأعلى درجة في سلم البيان..” فمن أين جئت بهذا الأسلوب ؟! أعترف بأنه ليس عندي جواب حاسم على هذا السؤال.. فمن أين أتيت بهذا الأسلوب الذي أكتب به؟! لم آت به ثمرة بلا شجرة، فما تكون الثمار إلا من الأشجار، ولا أوجدت شيئاً من غير شيء.. وما مثالنا إلا كتاجر فتح دكانه على طريق القوافل، يوم كانت التجارة على طريق المقايضة، ولم تكن وجدت نقود، يمر به المسافرون دائماً، وكلما مر به أحد أخذ منه سلعة وأعطاه سلعة أخرى، ولبث على ذلك أكثر من خمسين سنة، فاجتمعت عنده مئات من الأشياء من كل صنف، وكل لون، فهل ترونه يعرف كل شيء منها ممن أخذه ومتى أخذه وما الذي أعطاه بدلاً منه، هذا مثالي ومثال من كانت حاله كحالي.. ما قرأت كتاباً ولا جالست عالماً ولا أديباً، ولا سمعت خبراً، ولا رأيت سروراً ولا كدراً ولا نزلت بلداً، ولا قابلت أحداً، إلا ترك في نفسي أثرا،ً فهل أقدر أن أحصى كم قرأت من الصحف، وكم لقيت من الناس، وكم رأيت من المسرات والأحزان، وكم قصدت من الأقاليم والبلدان؟!”.(5)
المراجع:
(1). مجلة “المجتمع” الكويتية، العدد:1710، 15/7/2006م
(2). الدكتور عبد القدوس أبو صالح، مجلة الأدب الإسلامي، المجلد التاسع، العددان: 34ـ35، 2002م
(3). فكر ومباحث ص:10 /من كتاب هتاف المجد
(4). د/محمد رجب البيومي،مجلة الأدب الإسلامي، المجلد التاسع، العددان: 34ـ35، 2002م
(5). الذكريات:2/55