الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر جبهاتها الحاسمة ومجالاتها الرئيسية (2)

الإسلام
31 أكتوبر, 2023
الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر جبهاتها الحاسمة ومجالاتها الرئيسية (3/الأخيرة)
17 يناير, 2024

الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر جبهاتها الحاسمة ومجالاتها الرئيسية (2)

العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي

5–قلب نظام التربية والتعليم المستورد من الغرب، المنتشر السائد في العالم الإسلامي، رأساً على عقب، وصوغه صوغاً إسلامياً جديداً، يتفق مع شخصية هذه الشعوب المسلمة، وعقيدتها، ورسالتها، وقامتها، وقيمتها، لا يبعد هذا الصوغ عنه عناصر الإلحاد أو المادية، وتصور هذا الكون تصوراً مادياً، والعلوم وحدات متناثرة متناقضة، والطبيعة حرة قاهرة، والتاريخ حوادث غير مرتبطة خاضعة لقلق وصراع دائمين، ولا يصلح نظام التربية والتعليم إصلاحاً جزئياً فحسب، بل يبتكر ابتكاراً جذرياً، مهما استنفد من الطاقات، وكلف من الوسائل والنبوغ والعبقريات، وبغير ذلك لا يقوم العالم الإسلامي على قدميه وبرأسه، وعقله، وإرادته وتفكيره، ولا تدار الحكومات والأجهزة الإدارية، والمرافق العامة برجال مؤمنين أقويا، أمناء مخلصين، يطبقون التعاليم الإسلامية في الحكومة والإدارة، والتربية والإعلام والمجتمع، فتمثل الحياة الإسلامية بجمالها وكمالها، وينشأ المجتمع الإسلامي بسماته وخصائصه.

6–حركة علمية قوية دولية، تعرف الطبقة المثقفة الجديدة بذخائر الإسلام العلمية وتراثه المجيد، وتنفخ في العلوم الإسلامية روحاً من جديد، وتثبت على العالم المتمدن، أن الفقه الإسلامي وقانونه من أرقى القوانين وأوسعها في العالم، وهو يقوم على أساس من المبادئ الخالدة التي لن تبلى ولن تفقد صلاحيتها في يوم من الأيام، وهي تصلح لمسايرة الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان، وتغنيها عن كل قانون وضعته أيدي الناس.

7– الحضارة عميقة الجذور في أعماق النفس الإنسانية وفي مشاعر الأمة وأحاسيسها، وتجريد أمة عن حضارتها الخاصة – التي نشأت تحت ظلال دينها وتعاليم شريعتها، وكان في صياغتها نصيب كبير للذوق الديني الخاص وطابع هذه الأمة الخاص – مرادف لعزلها عن الحياة، وتحديدها في إطار العقيدة والعبادة والطقوس الدينية الضيق، وفصل حاضرها عن ماضيها، فلا بد للحكومات الإسلامية والمجتمعات الإسلامية من التخطيط المدني الإسلامي المستقل، البعيد عن تقليد الغرب الأعمى، والارتجالية، ومركب النقص، ولا بد من تمثيل الحضارة الإسلامية في عواصمها وفي دوائرها، وفي بيوتها، وفي مجتمعاتها، وفي فنادقها ومنتزهاتها، وإلى حد في مكاتبها وطائراتها وسفارتها، وبذلك لا يعرض العالم الإسلامي نموذجاً للحياة الإسلامية والمثل الإسلامية فحسب، بل يقوم بدعوة صامتة للإسلام.

8–معاملة الحضارة الغربية – بعلومها ونظرياتها واكتشافاتها وطاقاتها – كمواد خام يصوغ منها قادة الفكر، وولاة الأمور في العالم الإسلامي، حضارة قوية عصرية، مؤسسة على الإيمان والأخلاق والتقوى، والرحمة والعدل في جانب، وعلى القوة والإنتاج، والرفاهية، وحب الابتكار في جانب آخر، يأخذون من علوم الغرب ما تفتقر إليه أمتهم، وبلادهم، وما ينفع عملياً، وما ليس عليه طابع غرب وشرق، ويستغنون عن غيره، ويعاملون الغرب كزميل وقرين، إن كان في حاجة إلى أن يتعلموا منه كثيراً فهو في حاجة إلى أن يتعلم منهم كثيراً، وربما كان ما يتعلمه الغرب منهم أفضل مما يتعلمونه هم من الغرب.

9– إقناع الحكومات – في بعض البلاد الإسلامية التي مثلت دوراً رائعاً في تاريخ الدعوة والحضارة الإسلامية – المشغولة بحرب إبادة للعنصر الإسلامي، أو عملية “تطوير للإسلام” وتفسيره وفق مصالحها السياسية، أو أهواء قادتها الشخصية، بأنها سياسة عقيمة، لم تنجح في بلد إسلامي، وإقناعها بتوجيه طاقاتها وإمكانياتها إلى عدو مشترك، وإلى ما يقوى البلاد والأمة.

وإقناع الحكومات المسلمة – المسالمة للإسلام – بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وتهيئة الجو المناسب، المساعد على ذلك، وما يستتبع هذا الأمر من سعادة وبركة ونصر من الله، وسعي لتكوين قيادة موحدة تقوم على مبدأ الشورى الإسلامي، والتعاون على البر والتقوى – والشعور بالتقصير على الأقل – بعدم وجود الامامة العامة، أو الخلافة الإسلامية التي كلف بها المسلمون وسيحاسبون عليها.

10–أما بالنسبة إلى البلاد غير الإسلامية، فالقيام بالدعوة إلى الإسلام والتعريف به بأساليب حكيمة تتفق مع طبيعة الإسلام وروح العصر، أما البلاد التي فيها الأقليات المسلمة، فالاهتمام بتمثيل الإسلام، والحياة الإسلامية تمثيلاً يلفت إليه الأنظار، ويستهوي القلوب، والقيام بالقيادة الخلقية والروحية، وقبول مسئولية إنقاذ البلاد والمجتمع من الانهيار الخلقي، والخواء الروحي، والتدهور الاجتماعي الذي تعرضت له هذه البلاد، حكومة وشعباً، حتى يتهياً للإسلام أن يثبت جدراته وحاجة البلاد إليه، ويتهيأ للمسلمين أن يقوموا بدورهم البلاغي والقيادي في هذه البلاد (يتبع).

×