شعائر الله تعالى وتعظيمها (10/الأخيرة)
5 أكتوبر, 2021المدنيّة المعاصرة
11 نوفمبر, 2021المنهج القرآني للدعوة ومعرفة أحوال من تدعوهم
أ. د/ أحمد عمر هاشم
عضو هيئة كبار العلماء بمصر
يتلخص منهج القرآن الكريم في الدعوة إلى الله تعالى في قول الله سبحانه وتعالى:
“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [النحل:125].
وواضح من الآية الكريمة أن أسلوب الدعوة يتشكل على حسب أحوال الناس الذين ندعوهم، فالخاصة لهم الأسلوب المحكم، والبرهان القاطع، والدليل الساطع “بالحكمة”، والعامة لهم العظة التي يمكن أن تصل إلى مداركهم وتستوعبها عقولهم، والمعارضون لهم المناظرة الهادئة الهادفة والمجادلة بالتي هي أحسن.
فلابد للدعاة من معرفة أحوال من يدعونهم وأنواعهم وما يحتاجون إليه من أسلوب ومن هداية وتوجيه، لابد أن يكون الدعاة على بصيرة من الأمر في كل شأن من الشئون حتى تكون دعوتهم ناجحة، وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس بأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هي سبيله يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بها على بصيرة وبرهان ويقين وإيمان، ويدعو كل من اتبعه إلى ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:
“قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [يوسف:108].
كما دعا المنهج القرآني إلى تتبع أحوال “السكان” وتدبر آيات الله تعالى في جميع الأقطار والبلدان، ومعرفة أحوال الأمم، ودعا القرآن إلى السير والنظر في الأرض لمعرفة تلك الأحوال، قال الله تعالى:
“أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” [الحج:46].
ودعا الإسلام إلى الرحلات والتقلب في البلاد ليزداد الإنسان علماً ومعرفة، وبحثاً وفائدة وليعلم سنن الله تعالى في الأمم السابقة والبلاد المختلفة وما حدث لأهلها وسكانها قال الله تعالى:
“قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ” [آل عمران:137-138].
كما دعا القرآن إلى معرفة أحوال سكان العالم القديم والحديث وما جرى للأمم السابقة والحضارات الماضية، وماذا كان عاقبة هؤلاء الناس، قال الله تعالى:
“أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ” [غافر:21].
ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إلى الرحلة في طلب العلم والمعرفة ولقاء العلماء في أي مكان أو وطن في دنيا الله الواسعة، فقال صلوات الله وسلامه عليه: “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة” [مسند أحمد، ح رقم: 8316، وسنن الترمذي، ح رقم: 2646، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
وزيادة في دقة المنهج الإسلامي في تسلح الدعاة بزاد المعرفة ليتمكنوا من مخاطبة السكان في أي مكان من الأرض – دعا إلى تعلم اللغات الأخرى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتبه زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية فقال رضي الله تعالى عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمت له كتاب يهود، وقال: “إني والله ما آمن يهود على كتابي” فتعلمته، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إذا كتب وأقرأ له، إذا كُتِب إليه” [سنن أبي داود، 3/318، ح رقم: 3645].
وهكذا نرى أن معرفة أحوال السكان ولغاتهم أمر ضروري للدعاة يجب أن يضطلعوا به وأن يتسلحوا بأسلحته حتى يؤدوا واجبهم الإسلامي.
عالمية الإسلام تستوجب على الدعاة دعوة جميع سكان الدنيا:
لكي يقوم الدعاة برسالتهم على أكمل وجه، لابد أن يلموا بأنواع الثقافات والعلوم من حولهم؛ ليتمكنوا من معرفة أحوال العالم، والأقطار التي تحيط بهم، فإن الإسلام دين عالمي لا تقتصر دعوته على زمان دون زمان ولا على مكان دون مكان، وإنما هو دين عالمي للناس كافة وللعرب والعجم والإنس والجن، وقد استهدف الإسلام تعارف الناس بعضهم لبعض وجعل هذا التعارف هو الغاية من خلقهم شعوباً وقبائل، قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات:13].
ولقد كانت الرسالات السابقة لرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، يختص كل رسول بدعوة قومه، فإذا جاء غيره إلى هؤلاء القوم نسخ اللاحق دعوة السابق، اللهم إلا القدر المشترك بين الرسالات وهو عبادة الله وحده واجتناب ما دونه من الباطل، قال الله تعالى:
“وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” [النحل:36].
ولما كانت الأمم السابقة تختلف أحوالهم وأوضاعهم فقد تغايرت الرسالات بتغاير الأحوال، وكان لكل أمة منهاج، كما قال الله تعالى:
“لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا” [المائدة:48].
ووضح القرآن الكريم أن الرسل السابقين كان كل رسول منهم مرسلاً إلى قومه خاصة، فقال الله تعالى:
“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ” [هود:25].
وقال سبحانه في شأن هود:
“وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا” [هود:50].
وقال تعالى في شأن صالح:
“وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا” [هود:61].
وقال تعالى في شأن شعيب:
“وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا” [هود:84].
وقال سبحانه في شأن عيسى عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه:
“وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ” [الصف:6].
وهكذا نرى أن القرآن الكريم قد وضح أن كل رسول من الرسل السابقين كان يرسل إلى قومه خاصة، حتى بلغت الإنسانية نضجها فجاءت الرسالة العامة الخالدة والرسول الخاتم الذي لا رسول بعده ولا نبي، فرسالته عامة لكل الأجناس والألوان، خالدة إلى قيام الساعة.
وكان لتلك الشريعة العامة الخالدة ما يكفل لها العموم والخلود حيث أكملها الله تعالى وأتمها، كما قال جل شأنه:
“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” [المائدة:3].
وأكد القرآن الكريم عموم الرسالة وخلودها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الناس كافة، فقال جل شأنه:
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا” [سبأ28].
وقال تعالى:
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” [الأنبياء:107].
كما أشار سبحانه إلى أن الكتاب الذي جاء به هذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم له صفة العموم والخلود أيضاً فقال:
“وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ” [القلم:52].
وإذا كان الإسلام ديناً عالمياً، وكانت هذه الأمة حاملة لهذا الدين، وقد نزل القرآن الكريم بلغتها العربية فما الواجب على الأمة الإسلامية إذن؟ لا يماري أحد ولا يختلف اثنان في أن واجب هذه الأمة أن تحمل دعوة الإسلام إلى جميع من على ظهر الأرض وأن تبلغه إلى الناس كافة، أن تبلغه إلى العالم بجميع أقطاره وأجناسه ولغاته، وإذا تقاعست عن دورها ورسالتها في تبليغ الإسلام إلى كل القاطنين في قارات العالم، فقد خانت الأمانة التي أئتمنها الله سبحانه وتعالى عليها فالاستعمار نجح في نشر أباطيله، حين مكن لها بإقصاء لغة القرآن والسنة وهي اللغة العربية، وأهملها، فأصبحت بلاد مسلمة كثيرة، ومسلمون في بلاد غير عربية لا يتكلمون إلا اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولم يستطع المسلمون في تلك البلاد أن يقفوا على تعاليم الإسلام إلا عن طريق ما يكتبه لهم المستشرقون من إفك وباطل، وواجبنا نحن العرب الذين حملنا كتاب الله ودعوة الإسلام ونزل القرآن بلغتنا واجبنا أن نحمل الإسلام بتعاليمه الصحيحة إلي كل قارات العالم وجميع بلاد الله على ظهر الأرض، حتى نحقق خيريتنا التي وصفنا الله تعالى بها في قوله جل شأنه:
“كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [آل عمران:110]. (مع الشكر لمجلة “الأزهر” الجزء: 11، السنة:94)