عالم فقدناه
3 سبتمبر, 2023لمحة عن حياة سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله
3 سبتمبر, 2023مرشد الأمَّة في هذا العصر
محمد وثيق الندوي
ليس من المستغرب أن تصدر صحيفة “الرائد” عددًا خاصًا بمنشئها سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي، وذلك أقل ما يكرم هذا الرجل العظيم الذي وقف حياته لخدمة الكلم الطيب، وقد وعد الله برفع الكلم الطيب، ورفع شأن من يرفع الكلم الطيب، وإعلاء شأن من يسعى إلى اعتلاء الحق، ولذلك من حقه ومن حق الكلم الطيب أن تخلد آثاره، وتذكر مناقبه، لتكون إرشادًا وريادة للأجيال الناشئة من الأدباء والكتاب، وأصحاب الفكر والدعوة، والقيادة والزعامة، والتربية والتعليم، والتوجيه والإرشاد، الذين يحبون أن يسيروا على درب الكفاح من أجل كلمة الحق، والكلم الطيب، وخدمة دين الله الإسلام، فكان له دور كبير في خدمة الفكرة الإسلامية السليمة، والكلمة الطيبة، وخدمة الإنسانية، وخدمة الدين، ومعالجة القضايا الإسلامية، وفي الذود عن حمى الإسلام، وحماية حصوننا المهددة أو المهدمة من داخلها أوالمتربص من خارجها.
لقد كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي –رحمه الله–أمّة وحده، حين واجه بكتاباته الجريئة القوية تيارَ التغريب الذي ما تزال الأمة تعانى من آثاره في حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، بما في ذلك الأدب العربي الذي كاد أن يستعجم بتأثير النظريات الإغريقية القديمة، والأساطير اليونانية، والفلسفات الحديثة؛ مثل الدروينية والفرويدية والأبيقورية والميكاولية التي أقبل عليها المتغربون من الكتاب العرب بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، وبكل ما فيها مما يعارض عقيدة الأمة، ويتنكر لتراثها، ويفسد لغتها، ويهدد هويتها، وأصالتها، وقد تركت هذه المذاهب الفكرية والأدبية الدخيلة بصماتها على الحياة في الغرب والشرق، وعلى نفوس أفرادها، فآداب هذه النفوس تتمرغ في أوحالها، يقول الشيخ الندوي:
“…. ولكن المفكرين في أوروبا وتلامذتهم في الشرق يغلفون أنظارهم بأغلفة المصطلحات والأسماء البراقة التي تخدع ببريقها الكاذب، وتبهر العيون، فالذين أصيبوا بمركب النقص أمام الحضارة الغربية تنخلع نفوسهم أمام الأفكار المستوردة، فيظنون تكميم الأفواه حرية، ويرون الحيرة والقلق سعادة وحبورًا، ويجدون في الخنفسية والهِيبي(Hippie) روعة وجمالا، ويعدون الالتزام بالمعاني الإنسانية الجميلة تكبيلاً وقسرًا وقيدًا، ومن خلال التصورات الناشئة في الغرب والقلق الحائر ينظر الناس إلى الالتزام ويعدونه عدوًا للحرية التي يريدونها سواءًا يجدونها أو لا يجدونها. ولكن الالتزام في الإسلام إنما يتلاءم مع الحرية ويخدم الإنسان والإنسانية”.(أضواء على الأدب الإسلامي، ص: 63–64).
وكان رائدًا لأمته، و”الرائد” لا يكذب أهله، فهو يبيّن لهم أخطار الغزو الفكري والثقافي الغربي، وحقيقة الأدب الغربي، ويقرر أن الأدب الغربي أطلق حرية العقل فتقدمت، وأطلق حرية الغرائز والأهواء فضلت وأضلت، وذلك حيث يقول:
“إن آداب أوروبا منذ أن فصلت حياتهم عن الدين، أصبحت تتسكع في مهامه الخيال بحيرة وضجر، فهي تتعشق الجديد المتطرف، وتسأم القديم الرشيد، إنها تنظر إلى الخنافس والهيبيين(Hippies)، فتشعر فيهم بسعادة وطرافة، وتنظر إلى حياة راهب هندي، فتجد فيها فلسفة وعمقًا، أما حياة الإسلام المعتدلة فلا تعجبها، ولا تنال منها تقديرًا، وهناك حكاية تشير إلى هذا الموقف العجيب، لقد تحدث يومًا عالم أوروبي أمام عالم هندي عن منجزات أوروبا العلمية والتكنية مفتخرًا بها، فقال له العالم الهندي: نعم، لقد تقدمتم في العلوم والهندسة حتى عرفتم كيف ترسلوا أقمارًا صناعية، وتطيروا في الفضاء مثل الطائرة، ولكنكم لم تعرفوا كيف تعاملوا الشعوب، وتسيروا على الأرض مثل الإنسان، هذا الرجل الأوروبي هو الذي صنع أدبه كما صنع فكره واتجاهه، فأدبه خال من البراءة والطهر، وتعبيره خال من الوضوح والبيان، فهو يرسف في قيود الضلال والإبهام.
فمن الواجب علينا أن نحافظ على أصالة أدبنا، أن نجعله تعبيرًا مخلصًا لحياتنا، وتصويرًا كريمًا لآمالنا وآلامنا، ليمكن له أداء دوره المطلوب في خدمة أمتنا، وتوجيهها إلى غاياتها وأهدافها”.(أضواء على الأدب الإسلامي، ص: 79–80).
وكان منهجه كشيخه ومربيه العلامة الإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي، منهجًا وسطًا، كان متصلبًا في العقائد والغايات، ومرِنًا في الفروع والآلات، وداعيًا إلى الجمع المتزن بين القديم الصالح والجديد النافع، وهو منهج ندوة العلماء، فيقول:
“إن قضية اتباع الشريعة الإسلامية هي القضية الأساسية لديننا، وعقيدتنا، وإيماننا، فلا يجوز تنسيقها مع حاجاتنا المدنية والثقافية والإدارية بصرف النظر عن التعاليم التي حصلت لنا عن طريق الوحي الإلهي، وإن لم يأت تعليم أو إرشاد من تعاليم الكتاب والسنة في فهمنا وعقلنا الناقصين المحدودين؛ فليس من الجائز أن نجحده أو نغيره، فإن مثل هذه المحاولة تخالف واجبنا الإيماني.
أما ما أعطانا الغرب من حرية الفكر والعمل وما جعلها من لوازم الحياة من قضايا، وما قدم إلينا من نظرية المساواة بين الرجل والمرأة؛ فلابد لنا أن نستعرضها في ضوء الشريعة الإسلامية، ونرى على أساسها إلى أي مدى تتَّفق مع ضرورات الإنسان حقًا وحقيقة، ولا يناسبنا أن نتبعها عشوائيًا، ونصير صدى لها بدون تفكير وروية”. (أضواء على الفقه الإسلامي ومكانة الاجتهاد منه، ص: 63–64).
ويقول: “إن أمم الشرق وخاصة الإسلامية منها لتفتقر إلى الأخذ بأسباب القوة المعنوية التي تمتعت بها قديماً، ويجوز لها معها أن تستفيد أيضاً بتجارب الأمم القوية المعاصرة فيما يتفق مع طبيعة حياتهم وتاريخها، “الحكمة ضالة المؤمن فيحيث وجدها فهو أحق بها”.(العالم الإسلامي اليوم، قضايا وحلول، ص:222)
وكان مصلحًا عمليًا، ومُجِدًّا وصامتًا في عمله، بعيدًا عن الضوضاء والدعاية، فكان عمله متصفًا بالجدية والصرامة والتخطيط والتنظيم، ويدعو إلى ذلك، يقول: “إن المسلمين في حاجة إلى العمل الصامت، وإلى الإخلاص، وإلى الإيمان الصامد، وإلى تربية الفرد، والإعداد قبل الكلام والإعلام.
فلقد اهتم نبينا وقائدنا الأول سيدنا محمد رسول اللهr بتربية النفوس والقلوب أولاً، وقضى في ذلك وقتاً طويلاً حتى أصبحت لديه ثلة مؤمنة قوية في إيمانها وإخلاصها وتفانيها لقيمها ومثلها، فقامت بالمعجزات، فلو أصبح فرد واحد اليوم على هذه الشاكلة الرفيعة لاستطاع أن يأتي بأغرب النتائج، فالمسلمون بحاجة إلى اختيار أسلوب التربية والبناء، وأسلوب العمل الصامت والاعتماد على العمل أكثر من الاعتماد على الكلام، سواء عرف الناس عنا، أو لم يعرفوا”. (العالم الإسلامي اليوم، قضايا وحلول، ص:110)
وكان أمة وحده إذا فكر في إنشاء صحيفة إسلامية عربية بلغة عربية فصيحة، لإعداد كوادر علمية وأدبية ودعوية لمواجهة الغارة على العالم الإسلامي والعربي، فأنشأ صحيفة “الرائد” التي أدت دورًا كبيرًا في نشر اللغة العربية الأصيلة والصحافة العربية في الهند بلغة العصر، وإعداد الجبل الناشئ القادر على اللغة العربية حوارًا وتحدُّثًا، خطابة وكتابة، يقول في أول عددها:
” هذا أول عدد من صحيفة “الرائد” للنادي العربي، عزمنا على إصدارها لتكون عوناً أدبياً ومساعداً في الملكة الكتابية لأعضاء النادي الأعزة وهم – كما يعرف الجميع – طلبة دار العلوم التابعة لندوة العلماء ممن يدرسون اللغة العربية وينهلون من مناهل علومها وآدابها الغزيرة.
أصدرناها، لا لنفع مادي، ولا لمسايرة ركب الحضارة، ولا للاستجابة لمطالب الزمن فحسب؛ بل إنما لتكون غذاءاً للعقول، ومدداً للأقلام، وحافزاً للقرائح في دار علومنا هذه.
ولم يبعثنا على ذلك إلا لأن الصحف والمجلات العربية الصادرة اليوم في أنحاء العالم لا تقضى حاجتنا نحن أبناء دار العلوم الذين لهم رسالة إسلامية رفيعة دقيقة الأهداف ممهدة الأطراف، وذلك لأن هذه الصحف والمجلات تحمل في ثناياها سموماً فتاكة للناشئة الإسلامية وهي بذور للفسق والوقاحة والإلحاد تبذرها في نفوسهم وقلوبهم، فنرى أن الفائدة العلمية والأدبية التي نؤمل الحصول عليها من بينها تختلط وتمتزج بهذا الضرر المخيف الذي أوضحناه والذي نرى الأمة الإسلامية والناشئة الإسلامية في أشد الحاجة إلى الاتقاء منها ولا يمكن بمساعدة هذه الصحف أن نحقق آمالنا من بناء مجتمع إسلامي سليم فاضل.
ومما لاشك فيه أيضاً أن طلبتنا لا يمكن أن يستغنوا عن الصحافة العربية لئلا يتخلفوا عن ركب الثقافة والعلم فيجب علينا أن نصنع شيئاً لقضاء هذه الحاجة وسد هذا الخلل ففكرنا في ذلك فكان نتيجة تفكيرنا هو هذا الذي نقدمه إلى طلبتنا في صورة هذه الصحيفة العربية”.
فكانت “الرائد” مدرسة أكثر منها صحيفة نصف شهرية، لأنها كونت جيلاً من كتاب الفكرة الإسلامية، يعيشون أحزان عصرهم، ويلمون بمشكلات العالم الإسلامي في كل قطر من أقطاره، وعلى صفحاتها برزت أقلام الصفوة من أبناء الإسلام في الهند، لأن متعلمي اللغة العربية من أبناء الهند المسلمين قد أسعدهم أن يجدوا في الهند صحيفة تعيد مجد “المؤيد” و”اللواء” و”الفتح” و”الزهراء” في الاهتمام بشؤون العالم الإسلامي والعالم العربي.
ولم تكتف الرائد بموضوع واحد فحسب؛ بل امتدت موضوعاتها إلى تحليل مشاكل العالم الإسلامي، وقضاياه ومعضلاته، وكان رازحًا تحت وطأة الاستعمار الغربي، فانتشرت الرائد في العالم الإسلامي، وأصبحت بلسمًا شافيًا لمن كانت كممت أفواههم، ويعيشون في السجون والزنزانات، ويواجهون القمع والكبت.
واختارت أسلوبًا حيًّا يلامس المشاعر، ويفصح عن الأهواء، وقد تعرض صاحبها الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي للمضايقة من قبل بعض السفارات العربية في الهند، إذا جهر برأيه وموقفه من الميثاق الوطني المصري، والقومية العربية وقادتها، ومن سلوك بعض الرؤساء ممّن تحركهم أصابع الاستعمار، ليكونوا عقبة في سبيل التحرّر، وفي سبيل الفكرة الإسلامية السليمة، والأدب البناء الملتزم، يقول مبيِّنًا الفرق بين الأدب الملتزم والأدب الحر:
“الأدب يهذب النفوس تهذيبًا، ويهيء لها الإمتاع والمؤانسة، وقد تزداد روح المؤانسة فيه، فيدغدغ النفوس دغدغة، ويملأها بشرًا وبشاشة، وقد تشتد فيه الحرارة، فيثير النفوس إثارة، ويملأها ثورة وشرارة، وبذلك كله يفعل الأدب في النفوس فعل السحر ويؤثر عليها، وتشتاق النفوس إلى الأدب، ويتجاوب معه وجدان القارئ ويتأثر به بحسب قوته وتأثيره، وهما يأتيان إليه من شعور صاحبه الفياض، ومن قدرته البيانية الرائعة، وبكل ذلك يكون الأدب محبوباً لدى الجميع، ويكون عتاداً ووسيلة في أيدي القادرين عليه، لكن الأدب إذا صار أداة في يد أديب يفلت منه زمام هواه، فينساق إلى رغباته وشهواته، أو غريزته الشيطانية، فمعاذ الله من هذا الأدب – لأنه يصبح وسيلة لهتك الحرمات، وإهدار الكرامات، فهو يرفع الستار عن العورات، ويثير القاذرات، ويجرح المشاعر والمكرمات، ويثير البذاءة أو الفجور.
ويحب هذا الأدب ويهتم به أولئك الذين يرغبون في أن يرتعوا في مراتع الإباحية والضلال، فهم يستحسنونه ويدعون إلى حريته ورواجه، ويسمون حريته حرية الرأي، ويثنون على أصحابه ويحوطونهم بهالات الإبداع والبراعة، ولكنهم مفسدون في الأرض فهم يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويريدون هدمًا وتخريبًا للآداب الإنسانية الكريمة”.(أضواء على الأدب الإسلامي، ص:65–66)
وكان مفكرًا متفائلاً، لا ييأس من روح الله بأي حال من الأحوال، بإيمانه الراسخ، وثقته القوية بنصر الله، وباطلاعه الواسع على تاريخ الأمم، وتاريخ الأمة الإسلامية في صعودها وهبوطها، وإقبالها وادبارها، وحدوث الصحوات المتكررة، ولذلك كان مفعمًا بالأمل القوي في بزوغ شمس مشرقة، وغد مشرق، إذا أظلم الليل، واكفهرّ الجو، وتلبدت السماء، وحدثت المحن والكوارث في وجه الأمة، يقول:
“تمتاز الأمة الإسلامية عن الأمم الأخرى في العالم بتكرُّر صحواتها في تاريخها الطويل، فقد مرَّت من مرتفعات ومنخفضات تاريخية مختلفة، ولكنها بقيت ولم تذب أمام المحن والأحداث، فما غابت شمسها ولا تلاشت أصالتها، بالعكس من الأمم الأخرى، فإنها تترقى ثم تنحط وتذوب أمام الكوارث والمحن، فالأمة الإسلامية حينما تنبعث من غفوتها، وتعود إلى قوتها، تكون صحوة من غفوة، لا من تلاش ولا من موات.
وقد مرت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل من محن شداد، كل قليل منها كان كفيلاً بالقضاء على كيانها وعلى مبادئها التي قامت عليها على الأقل، ولكن الله سبحانه وتعالى قدر لها البقاء، وهيأ لها أسباب النهضة والصحوة.
وأهم عامل وأعظمه لخروج الأمة الإسلامية من الضعف والانحلال هو كونها أمة خالدة أخرجت إلى العالم برسالة خالدة، فهي تحملها، وخلود هذه الرسالة ضمان لخلود هذه الأمة، فقد تنتقل صحوتها من شعب منها إلى شعب آخر من شعوبها، أو قد يتحول مركز ثقلها من منطقة إلى منطقة أخرى، ولكنها تبقى بذاتها دائمة خالدة بدوام رسالتها وخلودها”. (قيمة الأمة الإسلامية منجزاتها وواقعها المعاصر، ص: 105).
وكان كاتبًا إسلاميًا، يحمل همَّ الأمة، وهمَّ الإنسانية، وهمَّ الكلم الطيب، فكانت افتتاحيات “الرائد” تتوهج بقلمه الحار المتأجج حماسة حتى بعد سن الكهولة، فهذه الافتتاحيات في حاجة إلى أن تصدر في مجموعة كاملة، –وإن كانت بعضها قد نشرت في كتب مستقلة–تذكر الجيل الحديث بمضمونها الصحيح، لأن الشخ محمد الرابع الحسني الندوي كاتب أدبي من الطراز الأول، لا يقلُّ عن أدباء الطليعة الذين يتردد ذكرهم في كل مجال، وكتاباتُه في “الرائد” و”البعث الإسلامي” خير شاهد على ما نقول، وكان يمتاز عن معاصريه بنشاطه الجم، وتوجيهه الصائب، ورأيه السديد، وفكره العميق، وإيمانه الصلب الوثيق، ومواقفه الإيجابية المعتدلة، وأسلوبه الرصين، وبكتبه وكتاباته ومقرراته الدراسية بما فيها من أفانين الإبداع والنقد، والتعليم والتربية، والتوجيه والإرشاد، وكل ذلك رفعه بجدارة إلى أن يكون “مرشد الأمة في هذا العصر”.
يقول فضيلة الدكتور سعيد الرحمن الأعظمي الندوي مدير جامعة ندوة العلماء:
“كانت مشوراته السديدة، وأقضيته المبرمة تقود الأمة الإسلامية الهندية على خطى حثيثة، وكان سكوته مثل البحر، وتواضعه مثل الأرض، وقوته وصلابته مثل الجبل، وعلو همته مثل السماء، ففاق بهذه الميزات بين أقرانه، وليس في عصره من يشاركه في هذه الصفات”.
ويقول الدكتور حسن الأمراني رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية:
” رجل كان يمشي على الأرض هونًا.
هادئ في حديثه، لا صخّاب ولا هيّاب، يبلغ فكرته في حكمة بالغة.
زاهد لا يتطلع إلى الظهور، ولكنه يصدع بالحق في لين. يظنّ من لا يعرفه أن ليس وراء هذا الزهد همة عالية، فإذا خبره علم أن له همة تناطح النجوم.
عرفته منذ أربعة عقود. بقي كما عهدته أول مرة، بهمة عالية، وعزم راسخ، وإن كان ازداد حنكة وحكمة”.
ويقول الشاعر الإسلامي الدكتور خالد حسن الهنداوي من الدوحة، قطر:
” لعل أهم ما يميز فقيدنا الغالي العظيم بعض جوانب فريدة في حياته المفعمة بالعمل المثمرالجاد لخدمة الدين والعلم والفكر والأدب والتربية والأخلاق حتى ظهر وبرز فيها كوحيدٍ من الأعلام مع وجود الكثيرين منهم من أقرانه الفضلاء”.
ويقول الأستاذ حلمي محمد القاعود:
“في الثالث عشر من أبريل 2023م غادرنا الأديب الكبير، والعالم الجليل محمد الرابع الحسني الندوي، إلى رحاب الله بعد حياة طويلة حافلة بالعمل الدءوب، دفاعًا عن الإسلام واللغة العربية في شبه القارة الهندية، وكان الراحل بسمته الهادئ الوديع، يتفجر حماسة بالنشاط والقراءة والدرس والبحث، من أجل تقديم أجيال جديدة من المسلمين الهنود، ترتبط بتراثها الإسلامي واللغة العربية”.
ويقول الشيخ عبد الوهاب من دار العلوم كراتشي:
” كان في طليعة الجيل الذي نشّأه العلامة أبو الحسن الندوي، وربّاه على منهجه الوسطي المتزن المستقى من الكتاب والسنة، والمتوارث من لدن سلف هذه الأمة.
يكفي أنه كان الوريثَ الصادق للمنهج الوسطي الرصين الرزين الذي رسم معالمَه سيده الإمام أبو الحسن الندوي.
ظلَّ وفيًّا لهذا المنهج ومنافحًا عنه بقلمه البليغ ولسانه الهادئ الفصيح وعمله المستقيم السديد. لم يُحدث فيه ثغرةً ولا شطَطًا”.
ويقول الأستاذ الدكتور وليد إبراهيم قصاب:
والرابع الندوي تشهدُ أمّة
قد كان فيها كالسحائب ممطرا
جلت أياديه وجل عطاؤها
قد كان في الدّرب القويم مُؤزّرا
حيث اتجهت حديقة من علمه
ما كان أعظم زرعها إذ أثمرا
ويقول الشاعر محمد المعصراني:
رَحَلْتَ فَآفَاقُ الْوُجُودِ كَئِيبَةٌ
وكُلُّ أَمَانِينَا جَدِيبٌ ومَاحِلُ
تَرَكْتَ رُبُوعَ الْهِنْدِ تَذْوِي غُصُونُهَا
ومِلْءُ حَنَايَاهَا أَسًى مُتَوَاصِلُ