صفة المؤمن الصالح والفاجر الطالح عند الموت

كيف تكون أعبد الناس وأشكر الناس؟
14 مايو, 2023
نماذج من مكارم الأخلاق
19 سبتمبر, 2023

صفة المؤمن الصالح والفاجر الطالح عند الموت

عبد الرشيد الندوي

عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فمر عليه بجنازة، فقال: ” ‌مستريح ومستراح منه ” قال: قلنا: أي رسول الله، ما ‌مستريح ومستراح منه؟ قال: ” العبد الصالح يستريح من نصب الدنيا وهمها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب”.

تخريج الحديث: أخرجه البخاري (6513)، ومسلم (950) وأحمد (22592) والنسائي 4/ 48، وابن حبان (3007)

شرح الحديث: إن هذا الحديث العظيم الذي حدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناسة مرور الجنازة يحمل عبرا ومواعظ ودلالات عميقة، وينبه إلى حقيقة ناصعة جلية، ألا وهي الموت، ويوقظ النفس من سباتها، ويذكر الناس بمصيرهم المحتوم.

و مغزى الحديث أن الموتى ينقسمون إلى قسمين، أحدهما: المؤمن الصالح التقي النقي الذي عاش حياة الإيمان واليقين والعبادة والتقوى، كان لا يُخلد إلى هذه الدنيا، ولا يأنس بنعيمها الراحل ومتاعها الفاني، كان قلبه معلقا بالله سبحانه وتعالى، مفعما بحبه ووده والأنس به والرضا عنه، مترعا بالأشواق إلى لقائه، والنظر إلى وجهه، ونيل كرامته ومثوبته، والفوز بجنته ومحل رضوانه، فكأنه كان في هذه الدنيا سجينا أسيرا فك رهانه، وأطلق سراحه، وأنشط من عقاله، وكان كالطائر في القفص، فأصبح طليقا حرا جذلان مسرورا، الآن يبشر ببشرى من الله ورحمته ونزله وقراه يقال له: “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” روى الإمام البخاري عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ ‌أَحَبَّ ‌لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. وروى الإمام أحمد في مسنده عن

عطاء بن السائب، قال: كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى رأيت شيخا أبيض الرأس واللحية على حمار، وهو يتبع جنازة، فسمعته يقول: حدثني فلان بن فلان سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ‌من ‌أحب ‌لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه ” قال: فأكب القوم يبكون، فقال: ” ما يبكيكم؟ ” فقالوا: إنا نكره الموت، قال: ” ليس ذلك، ولكنه إذا حضر: {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم} فإذا بشر بذلك، أحب لقاء الله، والله للقائه أحب، {وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم} قال عطاء: وفي قراءة ابن مسعود: ” ثم تصلية جحيم ” – فإذا، بشر بذلك، يكره لقاء الله، والله للقائه أكره ” وروى البخاري عن أنس قال: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أباه، فقال لها: (‌ليس ‌على ‌أبيك ‌كرب بعد اليوم). فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه. فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب. روى ابن أبي الدنيا في «المحتضرين» (ص207) عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال بلال حين حضرته الوفاة: ” غدا ‌نلقى ‌الأحبة، محمدا وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه قال: يقول: ‌وافرحاه “.

والقسم الثاني هو الكافر أو الفاجر الذي كان أحب الدنيا وآثر الفانية على الباقية، والرخيص الحقير على الغالي الخطير، كانت عيشته عيشة البهائم، حبله على غاربه، لم يكن همه إلا في إشباع غرائزه، وإرضاء شهواته، منقادا لما تملي عليه أهواؤه، راكبا متن الشطط والظلم، لا ينزجر ولا يرعوي عن أي نوع من المظالم والمعاصي والمنكرات، كان عباد الله منه في بلية ومصيبة عظيمة، حتى الدواب والبهائم والشجر والنبات والحجر لم ينج من شؤم ظلمه وفجوره ومعصيته، ومن بطشه وفتكه، فلما باغته الموت وداهمه الأجل وقطع دابره، استراحت الخلائق منه، وتنفست الصعداء، وفرحت واستبشرت بموته، وأما هو فقد استقبله العذاب والنكال، وأخذته ملائكة الله إخذة شديدة، وضاقت عليه الأرض والتأمت، فلا تسأل عنه، لا جعلنا الله من هذا النوع وعافانا برحمته وأكرمنا بفضله وعفوه وستره وكرمه. آمين يارب العالمين. والحمد لك كما ينبغى لجلال وجهك، وصل وسلم على حبيبك وعلى آله وصحبه.

×