مساهمة علماء شبه القارة الهندية في التاريخ للأدب العربي: جهود محمد الرابع الحسني أنموذجًا

قراءة في تقديم الشيخ محمد الرابع الندوي لكتاب “رسائل الأعلام”
10 سبتمبر, 2023
دراسة كتاب” العالم الإسلامي اليوم: قضايا وحلول” لفضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
10 سبتمبر, 2023

مساهمة علماء شبه القارة الهندية في التاريخ للأدب العربي: جهود محمد الرابع الحسني أنموذجًا

بقلم: معاذ العلوي، المغرب

لقد اعتنى المسلمون على العموم باللغة العربية بمختلف فروعها وعلومها مطالعة وتأليفا وتدريسا، وذلك لارتباطها بالمصدر الأول للوحي: القرآن الكريم. ولذلك فقد صُنفت في آداب اللغة العربية وتاريخها الدواوين والكتب التي يصعب حصرها لتنوعها وكثرتها على امتداد التاريخ الاسلامي. وسيرا على هذا النهج فقد كانت لعلماء شبه القارة الهندية كذلك إسهامات عديدة في الأدب العربي وتاريخه، وقد نبع هذا الاهتمام عندهم بالتأريخ للأدب العربي من شدة عنايتهم بالتاريخ على وجه العموم، يقول عبد الحي الحسني مؤكدا على هذا الأمر: «أما أهل الهند من المسلمين فإنهم شديدو الرغبة في التاريخ والطبقات والسير، لهم مصنفات كثيرة فيها، وغالبها في تاريخ الملوك والمشايخ والصوفية والشعراء، وأهل الهند مع توفر رغباتهم إلى الاطلاع على أخبار الملوك وأيامهم، والاشتغال بمعرفة أحوال المشايخ وكشوفهم وكراماتهم، والاكباب على تاريخ الشعراء وجمع أبياتهم المنتخبة من دواوينهم، قد استكثروا في تسجيع الألفاظ والتأنق في العبارة وتنقيحها وتهذيبها، مع إهمال ذكر العلماء والحكماء ومواليدهم ووفياتهم، مع شدة الحاجة إلى ذلك، وذلك داء عضال جاءوا به من بلاد خراسان ما وراء النهر، وبالجملة فإنهم اشتغلوا بهذا الفن أشد الاشتغال، وصنفوا كتبا كثيرة بالفارسية والهندية وبعضهم بالعربية، لا يستطيع أحد أن يحصي مصنفاتهم في التاريخ لكثرتها»(1).

فإلى جانب كتب التاريخ العام، نجد كتبا ومصنفات كثيرة لعلماء شبه القارة الهندية تدخل في إطار التأريخ للأدب العربي، سواء عبر تتبع مراحله وذكر رجاله ومنتجاتهم الابداعية والفنية واللغوية والأنواع الأدبية التي يشتغلون فيها، أو جمع طبقات الأدباء والشعراء، أو جمع المختارات الأدبية وترتيبها اعتمادا على معيار محدد تاريخي أو موضوعي.

ومن بين البارزين في خدمة اللغة العربية عامة وتاريخ الأدب العربي على وجه الخصوص في شبه القارة الهندية والرائدين في هذا المجال، محمد الرابع الحسني الندوي، فلا يمكن إغفال جهوده في هذا الباب، وهو أحد أبرز تلامذة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي. وقد عرَّف سيد عبد الماجد الغوري بالشيخ محمد الرابع الندوي قائلا: «العلامة الشريف محمد الرابع بن رشيد أحمد الحسني، ابن أخت العلامة الندوي وخليفته بعده، جمع بين العلم الغزير، والثقافة الواسعة، والأدب الجم، أجمعت كل القلوب على حبه واحترامه، ضم بين جناحيه كل صفات الحكمة والعقل والنزاهة والزهد والبساطة. وهو مثال يحتذى به في جميع هذا.

ولد عام 1349هـ، ونشأ في بيته الذي يمتاز بالشرف والطهارة، والتمسك بالكتاب والسنة، والعلم والعمل، وأتم دراسته العالية والعليا في دار العلوم – ندوة العلماء، واستفاد خلال دراسته فيها من خاله العلامة الندوي بصورة خاصة، ثم أرسله خاله العظيم إلى الحجاز للإستفادة من مكتبات مكة المكرمة والمدينة المنورة الكبيرة وعلمائها الفطاحل يومئذ، وللاشتغال بالعمل الدعوي، فقضى في ذلك أكثر من سنة.

تخصص الشيخ الرابع في الأدب العربي وبرع فيه حتى أشير إليه فيه بالبنان، واعتنى بتاريخ البلاد العربية، وعلم الإجتماع التربوي اعتناء بالغا.

عين أستاذا مساعدا في كلية اللغة العربية وآدابها في دار العلوم ندوة العلماء عام 1368هـ، واشتغل بالتدريس فيها مدة، فكان أستاذا يعشقه طلابه، ويرقبون درسه بفارغ صبر، ثم اختير رئيسا لها عام 1382هـ، وعمل مديرا لدار العلوم منذ عام 1413هـ، إلى أن توفي خاله العلامة أبو الحسن الندوي، فاختير خلفا له في رئاستها عام 1420هـ»(2).

وقد كان من بين مساهمات محمد الرابع الحسني الندوي بالتعاون مع واضح رشيد الندوي في مجال التأريخ للأدب العربي تأليفهما لكتاب “تاريخ الأدب العربي”، والذي يقول عنه الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في تقديمه له: «…أستاذين بارزين من أساتذة جامعة ندوة العلماء، وهما الأستاذ محمد الرابع الندوي والأستاذ واضح رشيد الندوي، قد تكفلا بوضع منهج دراسي، وتأليف سلسلة من كتب في تاريخ الأدب العربي، واستقل الأستاذ واضح رشيد الندوي بقسم العصر الجاهلي من تاريخ الأدب العربي، والأستاذ محمد الرابع الندوي بجزء صدر الإسلام من تاريخ الأدب العربي، وقرر الإستمرار في هذه السلسلة إلى أن تصل إلى الدور المعاصر، وإلى إبراز قسط شبه القارة الهندية في إثراء المكتبة العربية الأدبية والعلمية، ومعطياتها في بعض المجالات والميادين، وبذلك تكمل هذه السلسلة بإذن الله تعالى تاريخيا وجغرافيا، وشمولا واحتواء، وقد ساعدهما على ذلك إلمامهما باللغة الفارسية والإنجليزية، فضلا عن الأردية لغة الهند الدينية، واطلاعهما على المصادر الحديثة في تاريخ العلوم والآداب، والنظريات العصرية، وزيادة على ذلك النظرة الإسلامية الموسعة، البعيدة عن تقديس الغرب والإعتماد عليه الاعتماد الزائد، والتطفل على كتابات المستشرقين وإعطائهم ما لا يستحقونه من التفخيم والتقدير، والنقل والتقليد»(3).

وقد عرف الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي بدفاعه عن اللغة العربية والعناية بها تدريسا وتأليفا، حيث يقول عنه سيد عبد الماجد الغوري أن له بصمات واضحة، ونشاطات جمة يمارسها في خدمة الإسلام، وفي الدفاع عن لغة الضاد(4).

وقد تمحورت مؤلفات محمد الرابع الحسني الندوي حول الأدب العربي، ومن أهمها: “منثورات من أدب العرب” و”الأدب العربي بين عرض ونقد” و”تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي” و”الأدب الإسلامي وصلته بالحياة” و”مختار الشعر العربي” و”روائع من الأدب الإسلامي القديم”(5).

وما هذه الجهود سوى غيض من فيض، فقد ساهم العديد من علماء الهند عامة في خدمة الأدب العربي منذ قرون عديدة، كما كانت لعلماء ندوة العلماء على وجه الخصوص مساهمات قيمة وثمينة في هذا المجال انتفع بها خريجو دار العلوم وعامة متعلمي اللغة العربية ومدرسيها.

 

الهوامش:

(1) عبد الحي الحسني، الثقافة الإسلامية في الهند: معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف، الطبعة الثانية 1403هـ – 1983م، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق – سوريا، ص: 58.

(2) سيد عبد الماجد الغوري، أبو الحسن الندوي: الإمام المفكر الداعية المربي الأديب، الطبعة الثالثة 1426هـ – 2005م، دار ابن كثير، دمشق – سوريا وبيروت – لبنان، ص: 901 و902.

(3) محمد الرابع الحسني الندوي ومحمد واضح رشيد الحسني الندوي، تاريخ الأدب العربي: العصر الجاهلي والعصر الإسلامي، الطبعة الأولى 1423هـ – 2002م، دار ابن كثير، دمشق – سوريا وبيروت – لبنان، ص: 12.

(4) سيد عبد الماجد الغوري، أبو الحسن الندوي: الإمام المفكر الداعية المربي الأديب، الطبعة الثالثة 1426هـ – 2005م، دار ابن كثير، دمشق – سوريا وبيروت – لبنان، ص: 902.

(5) محمد أكرم الندوي، أبو الحسن الندوي، العالم المربي والداعية الحكيم (1333هـ/1420هـ – 1914م – 1999م)، الطبعة الأولى 1427هـ – 2006م، دار القلم، دمشق – سوريا، ص: 211.

×