العلوم ثلاثة من حيث النضج والاحتراق

جهود الطبيب جون تيتلر الإسكتلندي في نقل الكتب العلمية والطبية إلى اللغة العربية (3/الأخيرة)
22 يونيو, 2025
المنظمات الصهيونية (2)
22 يونيو, 2025

العلوم ثلاثة من حيث النضج والاحتراق

د. أبو سحبان روح القدس الندوي

[قُدِّم هذا المقال القصير في دورة علمية أقامتها كلية الحديث بالجامعة الندوية في “إدونا” الواقعة في ولاية “كيرالا” بجنوب الهند، وذلك في 14–15/1/2025م]

العلوم ثلاثة:

  1. علم نضج وما احترق: وهو علم النحو وأصول الفقه
  2. وعلم ما نضج ولا احتراق: وهو علم البيان والتفسير
  3. وعلم نضج واحترق: وهو علم الحديث

هذه العبارة من قبيل المُلَح أوردها العلامة الشيخ طاهر الجزائري ثم الدمشقي المولود سنة 1268هـ والمتوفى سنة 1338هـ.

“وهو بحاثة من أكابر العلماء باللغة والأدب، كان كلفًا باقتناء المخطوطات والبحث عنها، فساعد على إنشاء دار الكتب الظاهرية في دمشق، وجمع فيها ما تفرق في الخزائن العامة وساعد على إنشاء “المكتبة الخالدية” في القدس، وانتقل إلى القاهرة سنة 1325هـ، ثم عاد إلى دمشق سنة 1338هـ وتوفي بها.

وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي، وسمي مديرًا لدار الكتب الظاهرية وتوفي بعد ثلاثة أشهر.

وكان يحسن أكثر اللغات الشرقية، وله نحو عشرين مصنفًا:

منها: “توجيه النظر إلى أصول الأثر”.

والتقريب إلى أصول التعريب.

وللشيخ محمد سعيد ألباني: “تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر”.

مستفاد من “الأعلام” 3: 320 للزركلي.

ثم تعقب الشيخ طاهر القسم الثالث (قسم النضج والاحتراق) بالنسبة إلى علم الحديث، فقال:

“يُراد بنضج العلم: كونه بُيِّن بيانًا كافيًا، بحيث لا يحتاج طالبه إلى فرط عناء في تحصيل مطلبه.

ويراد باحتراقه: كونُه قد استقصى البحث فيه، ثم تجوِّزَ به الحدُّ، فأفضى ذلك إلى ذكر كثير مما لا تمسُّ إليه الحاجة، إما لكونه يفرض فرضًا، أو لنحو ذلك، حتى يصير الطالبُ – لكثرة المباحث مع عدم معرفة ما يلزم منها مما لا يلزم – حائرًا في أمره.

وهذا المعنى لا يظهر بتمامه في علم الحديث، وإنما يظهر في نحو النحو فإن فيه كثيرًا مما لا تمسُّ الحاجة إليه، لاسيما الحجج التي لا يدل عليها نقل ولا عقل.

والأولى إخراج علم الحديث من هذا القسم.

وهذه العبارة وإن كانت من قبيل الملح التي تُستحسن في المحاضرة، ولا يستقصى البحث فيها، إلا أن فيها إشارة إلى أمر ينبغي الانتباه إليه، وهو أن ما نضج واحترق من العلوم، ينبغي السعي في تنقيحه، ليسهل على الطالب تناوله والانتفاع به.

وما لم ينضج منها ينبغي السعي في إكمال مباحثه لينضج أو يقرب من النضج.

ومن أمعن النظر في هذا الأمر تبيّن له أن فرط النضج في علم من العلوم، يُفضي إلى احتراقه، وإنما يفضي في الغالب إلى إفراد بعض مباحثه بالبحث، فإذا اتسع الأمر في مبحث منها، صار فنًا مستقلاً بنفسه، وإن كان متفرعًا عن غيره، وكثيرًا ما يكون الفن المتفرع من غيره واسع الأطراف جدًا.

قال بعض المحدثين: علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة، كل نوع منها علم مستقل، ولو أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته”.

قلت: ذكر ابن الصلاح في المقدمة 65 علومًا، وتبعه النووي في “التقريب”، والعراقي في “الألفية” وزاد عليه السيوطي في “التدريب” 27 علومًا، فصارت 92 علمًا، ثم زاد عليه الحازمي في مقدمة العجالة، 8 علومًا، فصار 100، وزاد عليه الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد في “التأصيل (ص: 69) 10 علومًا.

وعلّق على كلام الشيخ طاهر الجزائري بعض الفضلاء المعاصرين قائلاً:

“والمراد بالنضج والاحتراق هنا: إن المحدثين جزاهم الله كل خير وضعوا كتبًا في تراجم الرجال – الثقات والضعفاء والمجروحين –، وفي ضبط أسمائهم وأنسابهم وبلدانهم، وما افترق منها وما اتفق، وحصروا من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام، وبينوا الراوي الثقة العدل من سيء الحفظ والمجروح، وفاسد الرواية من صحيحها، وحصروا رواية كل راو، وأحصوا شيوخه والآخذين عنه، والبلدان التي دخلها، والأحاديث التي رواها واستوفوا كل شاردة وواردة في شأن نقلة، حتى أربوا على الغاية، وفي هذا قالوا في علم الحديث: إنه علم نضج واحترق”.

يُراجع الطبعة الرابعة (ص: 136) من “لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث”.

×