من صناعة الموت إلى صناعة القرارات
21 May, 2025هتلر الأمس وهتلر اليوم
22 June, 2025أنفع وأجدى حركة لجمع كلمة المسلمين
د. محمد وثيق الندوي
أنشئت حركة ندوة العلماء التعليمية والفكرية والإصلاحية والدعوية في التسعينيات من القرن التاسع عشر لأهداف سامية، كان قد حدَّدها بناتُها من أصحاب الهمِّ الإسلامي والفكر الإسلامي السليم في الهند، نظرًا إلى الأوضاع القاسية في عهدها، ومتطلبات الأمة الإسلامية التي كانت تتجاذبها أفكار متزمتة متعصبة، وأفكار متجددة متحررة، وكانت كلمة المسلمين متفرقة متشتتة، وعرى وحدتهم متمزقة متفككة، فكان من أهدافها: إصلاحُ منهج التعليم والتربية، ومنها تصحيحُ المفاهيم الدينية الإسلامية وتنقية الأفكار، وشرح الدين الإسلامي بجميع كلياته وجزئياته بأسلوب ملائم لطبيعة العصر وروح المصدرين الأساسيين للشريعة الإسلامية: الكتاب والسنة، ومنها التعريف بالإسلام بلغة العصر وبحكمة، وكان من أهمِّ أهدافها جمعُ كلمة المسلمين ولمُّ شملهم، وإنشاءُ روح الوحدة والتضامن فيهم، وإيجادُ التسامح المذهبي والاجتماعي في طبقات الأمة الإسلامية وزعماء مذاهبها الفقهية.
فقد قامت حركة ندوة العلماء بأعمال فريدة من نوعها في هذه المجالات،أوجدت تقاربًا أخويًا بين عديد من الفئات الإسلامية المتباعدة، وجمعت على ساحتها في دوراتها السنوية أصحاب الفكر الديني الإسلامي المتصارعين، وزعماء المذاهب الفقهية المتعارضين، مع أنهم كانوا قبل ذلك شديدي التباعد فيما بينهم، حتى إن الخلاف بينهم كان يؤدي بعض الأحيان إلى المحاكم اللادينية، وإلى القضاة غير المسلمين، ولكن دعوة حركة ندوة العلماء بجهود رجالها المخلصين للأمة الإسلامية لم تذهب سدى، بل إنها نجحت في جمع قلوب متباعدة، والتأليف بين آمال متعارضة، وقرَّبت بين الأحناف والشوافع، وبينهم وبين جماعة أهل الحديث، وكان يُرَى ذلك مستحيلاً في أوضاع ذلك العهد عهد الاستعمار الإنجليزي، واستمرت مجالس ندوة العلماء ومراكزها التربوية ومعاهدها للتعليم متصفة بهذه السمة البارزة، وأتت جهودُها بنتائج مرجوة، فنبذ المسلمون نزاعاتهم الفئوية واختلافاتهم المذهبية وراءهم ظهريًا،واجتمعوا على رصيف واحد، وقدموا نموذجًا عمليًا للوحدة الإسلامية في سبيل بناء الصرح الشامخ للإسلام وحضارته مع أن بعض الجمعيات والمنظمات والمدارس الأهلية الأخرى عارضت هذا المنهج البنَّاء،بل حاولت لعرقلة مسيرة حركة ندوة العلماء، فكانت هذه الجمعيات والمدارس متمسكة بالعصبية المذهبية في الفقه، وفي قضايا جانبية، وفي نواحي جزئية من العلم والاجتهاد الفكري.
كانت حركة ندوة العلماء مدرسة فكرية أكثر من حركة إصلاح مناهج التعليم فحسب، وكانت خطوة مباركة وفتحًا يستحق التقليد في الأقطار والمجتمعات الإسلامية التي خاضت في ذلك العهد معركة الصراع بين القديم والجديد، والتزمُّت والتحرُّر، والتحجُّر والتجدُّد…..
وعلى كل، فقد كانت حركة ندوة العلماء قد نظمت حركة متنوعة في مجالات الدعوة، والتربية، والفكر الإسلامي بمقتضى حاجة العصر وطبيعة البيئة الجديدة، وإيجاد الوحدة والتضامن فيما بين المسلمين، وأدت في ذلك دورًا رائدًا وكبيرًا كان يمكن أن يكون أعظم تأثيرًا وأوسع إفادة إن كان عامة العاملين للإسلام تعاونوا معها تعاونًا أكثر أو استجابوا لدعوتها وفكرتها ومنهجها استجابة لائقة.
ونرى اليوم أن قادة الأمة يفكرون ويبحثون عن اختيار “منهج ملائم” لحلّ الخلافات بين طوائف الأمة، وإزالة الفرقة، ومعالجة النزاعات،والانتماءات الفكرية، وتُبْذَل محاولات وتُتَّخذ تدابير ووسائل على أصعدة مختلفة محلية وعالمية، لجمع كلمة المسلمين وإيجاد التقارب بين المذاهب الفقهية، ونبذ الخلافات الفئوية، أَلا أن حركة ندوة العلماء هي الحركة التي تستطيع أن تقدِّم هذا المنهج الملائم، وأن تقوم بدور رائد في حل المشاكل الاجتماعية، وفكّ الخلافات المذهبية، وإيجاد الوحدة والتضامن في الصف الإسلامي، لأن حركة ندوة العلماء تحتفظ بموقف الاعتدال والوسطية، والبعد عن التشدُّد والتطرُّف، سواء في المذاهب الفقهية، أوالمذاهب الفكرية، فليس من الغريب أن تكون حركة ندوة العلماء أنفع وأجدى بمنهجها المعتدل الوسط في جمع شمل المسلمين ليس في الهند فحسب، بل في العالم الإسلامي كله.