الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي وتأليفه “الطريق إلى المدينة” في ضوء حب النبي صلى الله عليه وسلم (1)

الشيخ محمد حنيف الغجرانوالوي الندوي
14 مايو, 2024
السيد رياست علي الندوي
6 يونيو, 2024

الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي وتأليفه “الطريق إلى المدينة” في ضوء حب النبي صلى الله عليه وسلم (1)

د. سرور عالم الندوي

نتحدث إليكم اليوم عن العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله وتأليفه المبتكر “الطريق إلى المدينة” في ضوء حب النبي صلى الله عليه وسلم.

إن شرارة الحب والحنون تكمن في كل نفس من النفوس الإنسان من خلقه وهو ثروة هائلة لها من فجره، لم يخل الإنسان من هذه الثروة مطلقًا.

لكن حب النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عن جميع الحب والتفاني، لأنه من أساس الدين ودعائمه، ولا يكون مؤمنًا أي شخص إلا بغاية الحب والولوع والشوق والحرقة بنبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم، “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” (الحديث) وهو أغنى ثروة وأسعد حظًا لكل مسلم ومؤمن وأغلى شيء له في الوجود.

لذلك تجلى هذا الحب في كل عصر ومصر وحين وآن، وفي كل لغة ولسان في صور مختلفة وطرق متنوعة ونسق متباين من النثر والشعر، تفنن في الأذواق وتلطف في إثارة العواطف والقرائح، حتى تلين النفوس وتفيض العيون وترق القلوب، فاغتصت منصة الكون بالهائمين والمستهمين والعشاق والحب النبوي.

فإن الهند إذا شرفها المسلمون بقدومهم الميمون قد شهدت أرضها جميع هذه الأساليب من تصريح الحب وإظهار الولوع لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. وبرزت على ساحتها شخصيات جليلة وتركت معالم الحب والحنان المتنوعة ومآثر الولوع والتفاني المفعمة على صفحات الهند العظيمة.

منها العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله الذي يعد في طليعة أولئك العلماء والمفكرين الذين لعبوا دورًا كبيرًا بكتاباتهم المبدعة ومقالاتهم الملتهبة وبحوثهم القيمة ومحاضراتهم الرنانة وأفكارهم النيرة ومجهوداتهم المشكورة في النهضة الإسلامية والحمية الدينية وإنقاذ البشرية من الدمار الشامل الذي نجم عن ابتعاد الناس عن الدين والإسلام والهداية الربانية، وبذلوا قصارى جهودهم لإحياء التراث الإسلامي عن طريق التأليف والكتابة والخطابة والحوار.

أما مجهودات الشيخ الندوي البالغة للنهوض الإسلامي والوعي الديني وإيقاظ الشعور السليم في الشعب المسلم وفي مقاومة النزاعات والصراعات والتنافر والعدوان الشيوعية والإلحادية، وهمجاتهم على الإسلام والدين، فقد شهد الأستاذ مصطفى السباعي للنجاح في تحقيق أهدافهم في تقديم الكتاب “رجال الفكر والدعوة في الإسلام” بهذه الكلمات:

“في العالم الإسلامي حركة قوية ترمى إلى الرجوع للإسلام كشريعة تنظم شؤون الحياة، وتقيم الموازين القسط بين الناس وتحقق للمسلمين تحرير ديارهم من الاستعمار، وتحرير عقولهم من الجهالة والخرافة، وتحرير مجتمعهم من الظلم والفقر والفوضى، وترى هذه الحركة أن الإسلام في ينابيعه الصافية وتراثه السليم من عهد السلف الصالح، زعيم بتحقيق هذه الأهداف في أتم وجه وأكمله، كما أنه هو الطريق الذي لابد منه لنهوض العالم الإسلامي من كبوته وسباته وهذه الحركة قائمة في كل قطر من أقطار العرب والمسلمين، تجدها في القاهرة ودمشق وبغداد وعمان ومكة المكرمة والكويت وغيرها من الأقطار العربية، كما تجدها في باكستان والهند، وإندونيسيا وغيرها من بلاد الإسلام، ولها في كل بلد قادة تميزوا بها للصدق في عزائمهم للنهوض إلى هذه الغاية، والوضوح والصراحة في إعلان مبادئها والتبشير بها بين جماهير أمتهم. (من تقديم كتاب رجال الفكر والدعوة، المجلد الأول).

إن جميع هذه المجهودات والمساعي المباركة ثمرات تربية أمه الحنون وحسنات تثقيف أخيه الأكبر الدكتور عبد العلي الحسني وتربيته المؤمنة وأساليبه الحكمية كما كتب رحمه الله بنفسه، وهو يقول:

“لقد كان أخي الأكبر، وهو الذي تولى تربيتي وتثقيفي بعد وفاة أبي، وقد توفي وأنا في التاسعة من عمري، موفقًا كل التوفيق في اختيار الكتب التي كان يحب أن أطالعها في صغري، فقد قدم إلي في أول ما قدم كتاب “سيرة خير البشر” لمؤلف هندي، وكان رحمه الله حريصًا على أكثر من مطالعة كتب السيرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، لأنه يعرف أنها المؤثر الأكبر في تكوين السيرة والعقيدة والخلق وغرس الإيمان، وقد نشأت لذلك على حب كتب السير والحرص على اقتنائها ومطالعتها”. (شخصيات وكتب للسيد أبي الحسن علي الندوي، ص: 178)

بهذه التربية والتثقيف كانت تسربت هذه الحرقة في روحه وخالطت لحمه ودمه، وهو كان يستغرق وينغمس في حب النبي صلى الله عليه وسلم كل الوقت حتى يتكلم فيه ويفكر فيه ويكتب فيه ويخطب فيه، وكلما ذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم ومدينته المنورة وخاصة إذا كان يؤذن المؤذن ويردد هذه الكلمات “أشهد أن محمدًا رسول الله” فتقشعر جلوده ويتغير اللون وتعتريه الرعشة وتتهمر الدموع، ويصلي عليه ويسلم تسليمًا في صوت متهدج.

وكانت له رغبة أكيدة وولوع شديد للقراءة والمطالعة على هذا الموضوع المبارك من نعومة أظفاره، تدل على شوقه ورغبته قصته المعجبة كتبها في أسلوب رائع كيف اشترى كتاب رحمة للعالمين، للمنصور فوري.

وهذا هو الحب والغرام الذي يتجلى في تأليفاته عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وتعاليمه ورسائله وجميع هذه المؤلفات تمتاز بين كتابات المعاصرين، قلما تجد لها نظيرًا في الفكر والعاطفة والحيوية والحماسة والأسلوب. (يتبع)

×