مسؤول أممي: الوضع في غزة يجب أن يبقينا مستيقظين ليلا
18 مايو, 2024ابتلاء المؤمن منحة من الله
23 يونيو, 2024لا تتم المنى إلا لمن صبرا
محمد خالد الباندوي الندوي
أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن طريق المجد والعلى – أيها الأخ – وعرة صعبة، لا يسلكها إلا ذوهمة عالية، وإن من الطبيعي أن يكون الشيئ إذا كان ذا قيمة يصعب مناله ويتعسر حصوله، وإذا كان حقيرا تافها يتيسر إدراكه ويسهل مرامه، ونجد مظاهر ذلك في الكون والحياة كثيرة.
فإنك قد رأيت – أيها الأخ – أن الوردة التي تعجبك رائحتها ويسحرك جمالها وتفتنك صورتها ولونها تكون بعيدة المنال لكونها محفوفة بالأشواك، وقد رأيت كذلك خلية العسل تنصبها النحل بعيدة من أيدي المتناولين ومصونة إلى حد من سهام العابثين، وتحفظها النحل من جميع الجهات، إذ لكل من الوردة والعسل منفعة عظيمة للإنسان لذا جعل حصولهما متعسرا على الناس قال الشاعر معبرا عن تلك الحقيقة:
لا بد للشهد من نحل يمنعه | لا يجتني النفع من لم يحمل الضررا |
لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا | ولا ينال العلى من قدم الحذرا |
لا يبلغ السؤل إلا بعد مؤلمة | ولا تتم المني إلا لمن صبرا |
فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثالا بليغا لطريق الجنة والنار حينما قال: “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”، وقد أكد القرآن والأحاديث النبوية بترك الشهوات واتباع النفس بجانب التأكيد على الصبر والمثابرة والجهاد والكفاح ليتضح الأمر للمؤمن اتضاحا،ويستبين لكل ذي عينين حيث لا يبقى للشك مجال أن تحقيق الأماني مربوط بالجهد المتواصل والصبر الطويل، وبهما يتمكن الإنسان من حصول ما يبتغيه من النعيم المقيم وما يرجوه من السعادة في الدنيا والآخرة، وإن هذا يرشدنا إلى أصل من أصول الحياة الهامة وهو أن المطلب الغالي كثيرا ما يكون صعب المنال، بعيد التلقي، وأكثر ما يكون طريقه محفوفا بالشوك والقتاد، فلابد لمن طلب الشيئ الغالي أن يكون عالى الهمة قوي الإرادة، إذ يتوقف تحقيق السؤل على مضاء عزيمته وينحصر ابتغاء المأمول في قوة إرادته.
وإن العلم – أيها الأخ – أشرف المطالب وأعظم الغايات في الكون، فمن الطبيعي أن يحتاج الإنسان في الحصول عليه إلى شيئ كثير من الجهد والمشقة، وإلى شيئ كثير من مجاهدة النفس وبذل الرخيص والغالي، ولا ينال فضله بالكسل والتراخي.
فعليك – أيها الأخ – أن تميل إلى الطريق الصعب دون السهل إذا أردت النجاح في مهمتك، وآثر الألم العارض في طريقه على اللذة المؤقتة، على الرغم من أن نفسك تحب الانطلاق وتكره القيود،إذ أن معاني الصبر والكفاح والاستقامة في طريق العلم هي التي تقربك إلى السعادة الأبدية وتباعدك من الزلل والعثرة في الحياة،وإن العاقل البصير هو الذي يسلك طريق الموازنة في الحياة، فلو ذهبت توازن بين اللذة القصيرة الحاضرة يعقبها ألم طويل، والألم العارض المؤقت تكون بعده لذّة باقية وجدت عقلك يرشدك إلى طريق بذل النفس والاستماتة والتفاني والصبر والكفاح، فكن – أيها الأخ – صبورا على المشاق في سبيل العلم ولا تكن جبانا ضعيف الإرادة.