بون شاسع بين القول والعمل
13 أبريل, 2020المجتمع الذي يصلح لقيادة العالم
9 يونيو, 2020الحاجة إلى الإيثار وتقديم التضحية
….. الأهم أن نعمل بالإيثار، ونتجنب الخصام، وبقدر ما تكون حياتنا بسيطةً، ومعيشتنا ساذجة، وبقدر ما تكون حياتنا مشفوعة بالإيثار والتضحية تأتي النتيجة أحسن، والثمرة أحلى بقدر ذلك، والشيء الذي يكمن فيه الخطر العظيم هو: التخاصم، والتطاحن، ومن هناك يتحتم أن نتحاشى عن التعرض للمباحث الدينية، لأن لها محلها ووقتها، وقد صرح الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي (المعروف بمجدد الألف الثاني) في إحدى رسائله، أنه قد كان السبب في تقزُّز الإمبراطور المغولي “أكبر” من الإسلام وخروجه من ربقته هو تناقر العلماء كالديوك، فقد كانوا يناقشون مناقشة ساخنة حول المسألة المطروحة، وكل منهم كان يحاول جهده أن يثبت تفوقه على الآخرين، شأن الذين يسعون وراء الجاه والمنصب، وشأن المتهالكين على زهرة الدنيا ونعيمها، من عباد المادة والمعدة، وهنالك فكر “أكبر” وقال في نفسه:إنهم أخس من وزرائنا وملئنا ورجال حكومتنا، ومن الماديين المتهافتين على حطام الدنيا،ولما بلغ الشيخ السرهندي أن الإمبراطور “جهانكير” ابن”أكبر” يريد أن يخص عدداً من العلماء لبلاطه يستشيرهم، ويأخذ بنصائحهم، كتب إلى الأمير سيد فريد، وقال: أشر على الإمبراطور ألا ينتقي لبلاطه إلا عالماً واحداً يخاف الله،ويخشى حسابه، وحذار أن يجمع بين عدد من العلماء.. وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على فراسة الشيخ السرهندي، وألمعيته البالغة، حيث أدرك الحقيقة، وأشار بالصواب، ولكن لا أقول: إنه يجب الاقتصار على عالم واحد في كل قضية، وفي كل مناسبة، وفي كل موقف، ولكني أريد أن أؤكد أن تخاصم العلماء وتطاحنهم يؤدي إلى مثل هذه النتيجة المكروهة المؤلمة المشار إليها.
إن الخطر إذا كان قائماً على الرأس كالسيف المصلت، فلكل حق أن يحذر منه، ويشير بأخذ العدة التي يقاوم بها الخطر، حتى الطفل له حق أن يقول: إن الباب ـ مثلاً ـ مفتوح يخاف منه اقتحام السارق، فأريد أن تكون الأمور المشار إليها موضع عنايتكم، ولا يشغلنكم عنها شيء.
أولاً: أنقذوا الطبقة المثقفة بالثقافة العصرية أن تظن أن تعاليم الكتاب، والسنة، والفقه، وأصول الفقه الإسلامي، لا تقدر على مجاراة المدنية المعاصرة، ولا تستطيع أن تحل القضايا المتجددة، لأن ذاك شيء خطر جداً، قد يؤدي إلى الإلحاد، واللادينية.
ثانياً: لابد أن يراكم الشعب ورجال الحكومة أرفع من مستواهم أنفسهم، وذلك بالحياة البسيطة التي تحبونها، وبالقناعة باليسير القليل من متاع الحياة، ولا يرينكم تتطلعون إلى المرتبات العالية، والامتيازات الكثيرة، والمنافع الكبيرة التي يتمتع بها الوزراء، والحكام، ولا يرينكم تتحلب شفاهكم لما يتقبلون فيه من عيش رغيد باذخ، ونعيم خافض، ويملكونه من قصور شامخة وسيارات فاخرة ذات النوعية الممتازة.
إن البلاد اليوم تحتاج إلى الزاهدين القانعين الذين يفترشون الغبراء، لأن هذه الطبقة العالية لا تخضع إلا لأمثالهم، ولكن لا أشير عليكم أن تتكلفوا الزهادة، وأن تصنعوا صنيع الزهاد، لكن الواقع أن الناس يرتمون في حضن من يرونه زاهداً فيما عند الناس، قانعاً بما قسم الله له، ترون أن الشيخ السرهندي لماذا خضع له إمبراطور عصره؟ لأنهم رأوا أن هذا الرجل الأبي، لا يتردد إلى البلاط، ولا يطوف على الأمراء والكبار، ولا يشفع لأحد، وإنما يذكر ربه خالياً قابعاً في ناحية مفردة، وينصح الناس، ويخلص لهم الود، ويسدي إلينا بالتوجيه والمشورة، وكذلك صنع جميع علمائنا العاملين، لم يختلفوا إلى الملوك، ولكنهم راقبوهم من بعيد، ووفروا للحكومة رجالاً أمناء، ودعوا لها ولم يبخلوا عليها بمشورتهم الغالية، ولكنهم كانوا يقولون: خير أن تصطلي بالنار من بعيد، أما إذا ألقيت يدك فيها فهي تحرقها.
(الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي)