نحن المسلمين نمرّ اليوم بوضع صعب على أصعدة مختلفة
13 أبريل, 2020قد يكون الجهل نعمة
28 يونيو, 2020مساوئ المدينة
أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأقدار والقيم –أيها الأخ-من أهم ما يقاس به الأقوام والشعوب، بها يفترق قوم من قوم وتمتاز أمة عن أمة،بها تعرف المناطق وخصائصها، وبها تطلع على طبائع أمة ومزاجها وذوقها في تحسين شيئ وتقبيحه وله دور هام في معرفة نفسية الشعوب وطباعها لا يتغافل عنه أي شخص يشغف بتاريخ الحضارات والثقافات.
لأن القيم والأقدار –أيها الأخ-مرآة نفسية الشعوب التي تنعكس فيها طباعها، ولكل أمة قيم خاصة وأقدار محدودة ومعايير مخصوصة، وإنها تتغير بتغير الزمان، وتتبدل بتبدل المكان،فقد كان الناس مثلا ينظرون في قديم الزمان إلى كثير من القيم والأوضاع نظرات فيها الكثير من الاحترام والإجلال، ويرون الكثير من مظاهر الحياة بعين الإعجاب والإكبار، بينما ينظرون إلى كثيرمن ألوان الواقع بالرضى والتسليم، وكان فيهم الغيرة الشديدة على قيمهم وأقدراهم لا يرضون فيها أي تعديل وتغيير، ولا يتنازلون عن واحدة منها ولو للحظة واحدة وكانوا يتحلون بصفات المؤمن الكريم.
أما اليوم فقد تغيرت نظرات الناس وتطورت وجهات أنظارهم، وصاروا ما كانوا يقابلونه بالتحسين والإعجاب أمس يقابلونه اليوم بالسخط والتذمُّر وما كانوا ينظرونه بالرضى والتسليم صاروا ينظرون إليه بازدراء.
كان الناس –أيها الأخ-في قديم الزمان غيارى في القيم صرحاء في الأقوال صادقين في التعامل بين إخوتهم البشر في السلم والحرب ، بعيدين عن النفاق والخداع، يأبون الذل والإسار، ويأنفون الخضوع والانكسار، قلوبهم صافية، وأفكارهم بسيطة، وأذواقهم لطيفة، ومشاعرهم حساسة، وقد أحسن العبسي تصوير الطبيعة البدوية يقول:
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم
وجهنم بالعز أطيب منزل
وقد تجلت هذه الغيرة والأنفة في قصيدة ابن سناء الملك وبلغت أوجها يقول:
وأزمأ إن أبدى لى الماء منة
ولو كان لي نهر المجرة موردا
ولو كان إدراك الهدى بتذلل
رأيت الهدى أن لاأميل إلى الهدى
انقلب اليوم تيار الحياة رأسًا على عقب، فقد أصبح العيب نقصًا والنقص عيبًا.
ويبكي قلم عبد الرحمن الكواكبي دماً، وهو:
وإن هذا التغير الهائل –أيها الأخ-في القيم والأقدار ومظاهر الحياة الأخرى يرجع إلى انقلاب هائل وقع أخيرًا بغزو الحضارة الغربية القاسية والثورة على الحضارة الشرقية، وجلبت إلى الأمم الشرقية الويل والشقاء، وأفلستها في احترام المشاعر والأحاسيس وإنها -ولا شك-من مساوئ المدنية الغربية التي غزنتا في عقر دارنا وأتتنا من كل جانب وأثرت على مجرى حياتنا تأثيرًا كبيرًا، فيه القليل من الخير والكثير من الشر، وأغرتنا ببعض مظاهرها الخلابة التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب. فلابد من مواجهة هذا التيار الجارف ولابد من توجيه الوجهة الصالحة بقدر الإمكان بالقول والعمل.
(محمد خالد الباندوي الندوي)