لماذا تُسْتَهْدَفُ الوحدة الإسلامية؟!
17 مارس, 2024تفتيت العالم العربي والإسلامي
6 يونيو, 2024مقال طريف: صفحة من الكتاب أو جزء منه
كتبه/ د. أبو سحبان روح القدس الندوي
لا جرم! أن شيخنا “أبا الحسن علي الندوي” رحمة الله عليه.
- أديب الناشئين والأطفال، فألف لهم:
- قصص النبين للأطفال (1–5).
- والقراءة الراشدة (1–3) لتعليم اللغة العربية في المدارس الإسلامية.
- وأديب المراهقين والشباب، فألّف لهم:
- الطريق إلى المدينة.
- وإلى الإسلام من جديد.
- وإذا هبّت ريح الإيمان…. وما إليه.
- وأديب الكبار، فألّف لهم:
- مختارات من أدب العرب.
- ومعلِّم الفكر ا لإسلامي، على المستوى العالمي.
فألّف لأصحاب الفكر المولعين به:
- ماذا خسر العالم بانحطاط ا لمسلمين.
- والصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية.
أما سلسلة “قصص النبيين” فإنها بمنزلة فقه الأطفال، أو علم الكلام لهم، أو كتاب عقيدة لهم، مستمدًّا من القرآن الكريم في لغة سهلة بسيطة.
أما “القراءة الراشدة” فقد وصفها صديق المؤلف أديب العربية مسعود الندوي (ت: 1954م): “بأنها تعلِّم مبادئ الدين أولاً، والأدب ثانيًا”.
فكتب المؤلفُ هذه الكتب بأسلوب سهل، مُراعيًا مستواهم العقلي وطبيعتهم، واختار ما يسترعي انتباههم ويقتضي الكتابة لأدبهم والمنهج السائد لتعليمهم أيّ لغة كانت من: تكرار الكلمات والجُمل، وسهولة الألفاظ والتعبير، وسرعة الفهم والبلوغ إلى المعنى بغير تعسف وتمعُّنٍ، واجتناب التعقيد وما فوق فطرتهم التي فطروا عليها.
“كلُّ ذلك في أسلوب جميل، لا يملُّ الطالب الناشئ ولا يتعب ولا يقع في مشكلة ما، وإنما يتمتع بالقراءة ويهتز بحفظ العبارات طربًا.
ومن مميِّزات هاتيك السلسلة من الكتب أنها لا تحتاج إلى مفتاح (Key) أو دليل (Guide)، وإنما يحتاج دارسُها الناشئ والطفل الناهض إلى معلِّم ذكي، رُزق ذوقًا لغويًا وأدبيًّا، وتكون وظيفة التدريس هويته (Hobby).
ولنا عود – بإذن الله – إلى ما كتبه المؤلف للمراهقين والشباب والكبار وللمغرمين بالفكر الإسلامي في وقت لاحق.
وأعود إلى ما بدأتُ من ذكر “القراءة الراشدة” فقرأت في الجزء الثاني من هذا الكتاب درسًا طريفًا عنوانه “كسرة من الخبز” وقد أعجب كلّ من قرأه وما في طيِّه من مراحل يمرُّ بها الخبز الذي يأكله الجميع من غير حول منهم ولا قوة.
حكى المؤلف قصة “كسرة من الخبز” من نشوها إلى نضجها ما ملخصها فيما يأتي: إنها كانت حبة حنطة فبذرها الفلاّح في التراب وكانت في الحقل وأبصرت الدنيا وأصابتها الشمسُ، فكانت مسرورة جدًا ولكن نزل المطر ودخلت إلى باطن التربة وبقيت مدفونة أيامًا، وأخذ جسمها يكبر وجلدها يضيق عليها، حتى انشق جلدُها وخرج منها جُديرات كالشعر ثم خرجت وُريقات شقّت التربة وظهرت فوق الأرض، فكانت سنبلة قائمة على ساق.
ثم أصبحت سنبلة صفراء في حرارة الشمس وكانت ترى صديقاتها، وكن يتحدثن ويهتزن طربًا وكانت أيامًا جميلة.
وما طالت تلك المدة فقد جاء رجال يحملون المناجلَ فحصدوا وحملوا، وانتقلت إلى بيدر ومكثت أيامًا، وكان من أشد الأيام، فقد جاء ثيران فداستها بأقدامها وفارقت السنبلة وكانت طريحًا ذليلاً، ثم أخذها رجال وذروها في الريح فطار القشرُ وبقي القمحُ.
وكان أشدَّ من ذلك كلِّه: أن رجلاً حملها إلى شيء مدوَّر من الحجر، فيه ثقب، وكانت تسمع له صوتًا شديدًا كريهًا وجعجعة فألقاها فيه فطحنها طحنًا (ذلك هو الطاحون أو الرحى).
فلما صارت دقيقًا أخذها الخبّاز ووضعها في معجنة وغمزها حتى صارت عجينًا، فصنع منها كُرة.
هنالك جاءت المصيبة فقد دحاها على حديد مجمى، فقد اكتوت وانكمشت، ولكن الخبَّاز لم يرحمها ولم يرق لها حتى كانت رقاقًا…. وانتهت قصتها فقالت بلسان حالها فيما حكاه المؤلف:
“كلُّ ذلك في سبيلك يا سيِّدي! كنتُ أشقى لنعيمك وأتعبُ للذتك، وأنتقل من طور إلى طور، لتأكل هنيئًا، وتشبع، أفلا يحسن بك أن تقول:
“الحمد لله الذي أطعمني وسقاني، وجعلني من المسلمين”.
انتهى اقتضاب قصة “كسرة من الخبز” كما حكاها المؤلف.
لا جرم! إن الحكمة ضالة المؤمن أنّي وجدها فهو أحقُّ بها.
فجزاك الله خيرًا أيها المؤلف المعلّم المربي! وقد علّمت الناشئ ما علّمتَ من كلمات وألفاظ ودُعاء مأثور، يُقال بعد الطعام، وصدق صاحبك الأستاذ مسعود الندوي حيث وصف هذه السلسلة المبتكرة والطريفة الأدبية قائلاً:
“بأنها تعلِّم مبادئ الدين أوّلاً، والأدب ثانيًا”.
والذي استرعى انتباهي من اختيار “كسرة من الخبز” هذه وانتقالها من طور إلى طور ومن محنة إلى أخرى أنها تشبه تمامًا وضع كتاب أو جزء منه وطبعه وانتظار ظهوره إلى عالم الوجود، ولا تقلّ صعوبة عن طبخ الخبز، ويُعاني في سبيل تأليف أو كتابة بحث أو مقال كلُّ مؤلف منذ غابر الزمان إلى يومنا هذا، مع توافر وسائل الطباعة، والنشر في العصر الراهن.
وإني قد عانيتُ في تأليف: “روائع الأعلاق شرح تهذيب الأخلاق”، و”أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية”، وتعليق واعتناء بـ”حواشي السعدي على مقدمة الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي” في أصول الحديث، و”تاريخ علم الحديث” كلاهما للشيخ محمد عميم الإحسان المجدّدي، وغيرها من أعمال في مجال التأليف والتحقيق، ما يُلاقي كلُّ مؤلفٍ وباحث حديث العهد بذلك، من مشكلات وصعوبات…. بعضها فوق بعض، فها هي ذاك:
عدم توافر المعلومات أحيانًا.
والوثوق على مظانها في المصادر والمراجع غالبًا.
وانتزاع نتف من المعارف.
ونبذ من الإحالات في بطون الكتب.
وجمعها، وتقييدها.
وتوزيعها إلى كتب وأبواب وفصول ومباحث ومطالب.
وترتيبها، وتنسيقها.
وتقديم لها في البداية وتلخيصها في النهاية.
وذكر الفهارس العامة من الأعلام والمعالم والشواهد للأبيات، وتخريج الآيات والأحاديث والحكم عليها.
وذكر ثبت المصادر والمراجع، ورعاية ما يلي فيه:
ترتيب أسماء المؤلفين حسب حروف المعجم، ويُذكر اسم المؤلف كاملاً، وتاريخ وفاته، واسم كتابه كاملاً وعدد أجزائه، واسم المحقق، واسم ا لناشر، ومحل الطبع، واسم المطبعة، وتاريخ الطبع، وما إليه.
وأخيرًا فهرس المحتويات.
ثم الحصول على تقريظ أهل العلم والمشايخ وتصديرهم على الكتاب فيما جرت العادة، ورعاية منهجية البحث العلمي فوق كل ذلك.
ثم الطواف إلى دور النشر والتعامل مع أصحابها ومكافأتهم الباهظة، وتوزيع نسخها إلى أسواق الكتب ووكلاء المكتبات التجارية.
ها هي قصة كل كتاب علمي، فيصل الكتاب إلى يد القارئ وهو لا يدري مرور الكتاب من طور إلى طور كما ذُكر، أفلا يحسن بالقارئ الكريم أن يدعو لمؤلفه حيًّا كان أو ميتًا، ويترحم لهم ويستغفر….؟
وإن قصد مؤلف الكتاب وجه الله ورضاه فلا ينقطع أجره حتى بعد الممات، ويستمر إلى يوم القيامة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث:……أو علم يُنتفع به”. ويُجزى بما اشتهر عنه – صلوات الله وسلامه عليه – على ألسنة الناس. “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” والله الموفِّق.