الأخلاق قوة ونفوذ

الحياة ذكاء وخبرة
13 أبريل, 2020
عذاب الله وآياته
13 أبريل, 2020

الأخلاق قوة ونفوذ

إن الأخلاق لها فضل كبير في حياة الإنسان، وهي تؤثر في المجتمع تأثير السحر، وتجعل العدو صديقاً والبعيد قريباً،وتوجد لنا الأموال، وتجلب العون والحماية، وتصل بالإنسان إلى الغاية المنشودة، وتشق له طريقاً سهلاً مأموناً إلى الثروة والغني والشرف والسعادة، وهي تقف وراءه تعين وتعضده في كل شيء، وتجعله شهيراً ومعروفاً، وتجذب إليه الناس جذب المغناطيس الحديد.

وكم من تاجر فاق على أقرانه من التجار في تجارته وشعبيته في المجتمع بحسن أخلاقه وسلوكه في المعاملات مع زبائنه، وكم من تاجر خاب وخسر في تجارته بسوء أخلاقه، رغم أن الأول كان أقل ثروة والثاني أكثرها، وفي الواقع من أراد القوة استطاع الحصول عليها عن طريق الأخلاق الفاضلة، ولا يحتاج إلى تجربة طريق آخر، وإن هذا الطريق – طريق الأخلاق الفاضلة – إن لم يكن أسرع الطرق فهو – بلا شك – أضمنها أن الناس دائماً يبحثون عن شرفاء وكرماء تمتلئ قلوبهم بالإخلاص وضمائرهم صافية نظيفة لم يلوثها طمع ولا جشع، ولا أنانية ولا كبر، وهم مستعدون للدفاع عن الحق ولو قامت الدنيا أو قعدت، يتكلمون بالحق والصدق دون أي وجل وخوف، لا يتكبرون ولا يتجبرون ولا يترددون في قول عندما يجب أن يقولوها فلا غرابة ولا عجب إذا في أن نرى الناس على اختلاف طبقاتهم يثقون بأصحاب الأخلاق الفاضلة فإن الأخلاق قوة لا يمكن تجاهلها ولا التغافل عنها، وإن نجاح الشباب ينحصر فيما يتحلون به من الأخلاق أكثر مما ينحصر فيما يحصلون عليه من العلم والمعرفة.

وكثير ممن حكموا الشعوب استطاعوا أن يحتلوا القلوب بما كانوا يتحلون به من خلق العطف والشهامة والألفة والنزاهة، تركوا الدنيا وأيديهم فارغة من الأموال والأسباب ولكنها أيد نقية طاهرة، على رأسهم سيدنا ومولانا خاتم الأنبياء وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان على قمة عالية وذروة رفيعة من الصدق والاستقامة والوفاء وحسن المعاملة وغيرها من الأخلاق الفاضلة، والذي شهد القرآن الكريم له بقوله “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4] ما جاءت هذه الجملة ساذجة بسيطة وخالية من التاكيدات، بل جاءت بثلاث تاكيدات: (1)أدخل عليها إن (2) كما أدخل على الخبر لام التاكيد (3) وجيء بوصف عظيم للخلق، والقرآن أذاع وأشاع بين أعدائه وأوليائه هذا الوصف قائلاً “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4].

وقد صرّح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدعوة إلى مكارم الأخلاق من أهدافه الأساسية حيث قال “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وقال أيضاً: بعثتم ميسرين لا معسرين “وإن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنه صحبت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنوات وكانت أحب زوجاته إليه بعد خديجة رضي الله تعالى عنها، تقول في وصفه: لم يكن يعيب أحداً ولا يجزي على السوء بسوء، بل كان يصفح ويعفو، ولم ينتقم من أحد لنفسه، ولم يضرب غلاماً ولا خادماً ولا أمة قط، ولا حيواناً، ولم يرد سائلاً إلا إذا لم يكن عنده شيء.

وعلي رضي الله تعالى عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم منذ صباه إلى أن شب، فلم يكن أحد من أهل بيته أعلم منه بأخلاقه وهو يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:

“كان لين الجانب، دمث الأخلاق، رحيماً، ولم يكن فظاً ولا جافياً، ولا يصدر عنه نيل من شرف أحد، أو غض من كرامته”.

هذه شهادات أقرب الناس إليه صلى الله عليه وسلم ممن خالطوه وعاشروه وعرفوا دخائله” (الرسالة المحمدية، ص: 171).

الحاصل إذا كان في العالم قوة فعالة تحمل الناس على الشعور بتأثيرها، فهي قوة الأخلاق، قد يكون المرأ فقيراً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، ولا وزن ولا مركز له في المجتمع، مع ذلك نراه يحصل على نفوذ لا نعرف مصدره، ويضمن لنفسه احتراماً طيباً، ذلك لأنه يتحلى بالأخلاق الفاضلة الكريمة الطيبة.

(محمد قيصر حسين الندوي)

×