أنفع وأجدى حركة لجمع كلمة المسلمين
22 June, 2025رائد القوم لا يكذب أهله
20 July, 2025هتلر الأمس وهتلر اليوم
د. محمد وثيق الندوي
إن ما تقوم به إسرائيلُ منذ مدة في فلسطين وغزة العزة، من مجازر وحشية، وإبادة جماعية، وعمليات قتل ممنهج، وتدمير، وتجويع، وتشريد، وقصف، وحصار خانق،ومنع الدواء والغذاء والماء، والقوافل الإنسانية التي تتجه إلى غزة لإسعاف المضطهدين،ومعالجة الجرحى والمرضى، وإطعام الجائعين، من الوصول إلى الذين يموتون جوعًا وعطشًا في غزة، يفوق ما قام به هتلر في عهده من الاستبداد، والقهر، ومن اعتداءاته هولوكوست أو المحرقة التي يُزْعَمُ أن اليهود تعرضوا لها، مع أنهم كسبوا بها عطف العالم ولا يزالون يستدرون ماليًا ومعنويًا بذكر تلك الحادثة المؤلمة، وأجبروا العالم على سنِّ قانون في تجريم معاداتهم وإنكار وقوع تلك الحادثة، ولكن انقضى عهده، ولم يبق أثره إلا في الكتب.
وأما ما تمارسه إسرائيلُ اليوم من القهر والاعتداء، وارتكاب جرائم حرب، وأعمال بربرية شبه المحرقة بنطاق واسع، تنقل وتنشر صورَها منصاتُ التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الحر، يستمر منذ مدة، ولكن القوى العالمية التي تدعي بالعدل ورعاية حقوق الإنسان، وإحلال الأمن، ومعاقبة المعتدين، ومساندة المضطهدين، ساكتة على هذه الممارسات الوحشية، بل تدافع عمن يرتكب مجازر وحشية في غزة منذ أكثر من سنة ونصف، ويعتدي على كل من لا يتفق معه أو لا يستجيب لرغباته وإملاءاته.
فإن إسرائيل التي تعرضت لاستبداد هتلر وقهره بالأمس، تقلده اليوم، وتقتدي به، والمحرقة التي عانت منها، تُعيدُها وتُكرِّرها بشراسة وبطريق مدروس، فكأن هتلر قدوة لها، والمحرقة مثال لها تحتذيه، وأحدث دليل على ذلك الضربات التي شنتها على إيران، والتي استهدفت أبرز القيادات الإيرانية، والمواقع النووية، والأماكن السكنية.
ومما يبعث على الاستغراب أن الدول الكبرى كانت قد تجمعت و تحالفت لمحاربة هتلر وقهره، ولكن “هتلر اليوم” ينال كل دعم من القوى الغربية التي حاربت هتلر ألمانيا، وتنال المجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل، تبريرات وخاصة من القوة العالمية، بل هي تدافع عن إسرائيل وتنقض كل قرار يُتَّخذ في الأمم المتحدة، ولا يصبُّ في صالح الكيان الصهيوني، ولا يصغي إلى النداءات والمناشدات الإنسانية والمسيرات الحاشدة التي تتحرك من مختلف أنحاء العالم لفك الحصار الظالم المفروض على أهل غزة، ويمارس انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، ويقتل الرجال والنساء والأطفال الرضع بدون هوادة،بل يهدد بإبادة أهل غزة جميعًا،ولا يحترم القوانين والأعراف الدولية، كما تدل عليه بياناته العنصرية الاستفزازية.
ومن التناقضات الغربية أن القوى العالمية تعتبر كل ما تقوم به إسرائيل، دفاعًا عن الحق، بينما تعتبر ما تقوم به المقاومة من الردِّ على اعتداءات إسرائيل ظلمًا وإرهابًا، فالسياسة الأمريكية المتناقضة في الشرق الأوسط تتجسد بصورة شبه يومية من خلال الانحياز الأعمى للدولة الصهيونية العدوانية التوسعية على حساب الحقوق العربية، والعدالة الدولية، وكذلك موقف أمريكا إزاء الأسلحة النووية في العراق وإيران، والأسحلة النووية في إسرائيل ودول أوروبا، يظهر تناقضًا، فبينما الأسلحة التي تعتبر أمريكا الحصولَ عليها ضرورية للبقاء والأمن، تُشَكِّل في البلدان غير الحليفة لها خطرًا للسلام ،وتقول مصادر مطلعة عالمية أن الهجوم الإسرائيلي الأخير قد تمَّ شنُّه بمباركة القوة العالمية، فيفيد هذا الوضع بازدواجية السياسة العالمية إزاء الإجراءات التي تتخذها الدول والشعوب للحفاظ على أمنها وبقائها ومصالحها، إنها تعتبر إجراءات إرهابًا وعنفًا، فتحاربها، وإجراءات أخرى تعتبرها حقًا مشروعًا فتدعمها.
يجب أن يرتفع صوت الضمير الإنساني ويتحد لردع الدولة الإرهابية التي ترتكب الإبادة بحق أهل غزة، ولا يمكن أن توقف هذه المجازر الوحشية في غزة إلا إذا ثار الضمير الإنساني في العالم كله، وذلك هو من حق الحضارة الإنسانية التي تؤمن بالمساواة والعدل، والحرية، ويدعو إليه ميثاق هيئة الأمم المتحدة، والمواثيق الدولية الأخرى، ووكالات رعاية الحقوق الإنسانية في العالم، لتكون هذه الأصوات المتحدة بمثابة محكمة عدل عالمية، تدين المعتدي وإن كان دولة كبيرة، وتتخذ إجراءات ضدها، فلا يبقى استغلال الضعيف والمظلوم، وأما الحروب فليست حلا للنزاعات والصراعات والأزمات، لأن مغبتها وخيمة، وقد جرّبتها أوروبا.
فمن الحكمة أن من يحمل التجربة عليه أن يقوم بمنع الحمقى والقادة المتهورين من الوقوع في تلك التجربة القاسية الفاشلة لقهر الشعوب وإذلالها،نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالا للصحفي مصطفى بيومي، قال فيه: “إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتعامل مع الحرب كحل لكل مشاكله الداخلية في إسرائيل”. وبحسب المقال الذي ترجمته “عربي 21 ” فإنّ: “نتنياهو يعتقد أنّ قوة الحرب ستوحد المجتمع الإسرائيلي وستُسكت أي انتقاد أمريكي له، وهو أمر ضروري لأن الآلية التي يحتاجها لشن حروبه تأتي في الغالب من واشنطن،وبعدوانه على إيران، يسعى نتنياهو لجر الولايات المتحدة نحو مستنقع عسكري لا نهاية له في المنطقة، وإشعال فتيل الحرب في العالم”.
وكتب: “إذا كان هناك شيء واحد لا يحتاجه شعوب هذه المنطقة، فهو المزيد من الحرب، والتي قد تتردّد أصداؤها بشكل رهيب في جميع أنحاء أوروبا وبقية العالم، أين القادة الأوروبيون الآن؟”.
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ | وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ |
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً | وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ |
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها | وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ |
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم | كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ |
ونظرًاإلى الوضع القاسي في غزة يلتفت الذهن إلى أن الحاكم الدموي الراهن يعيد ما فعله الملك ذو نواس اليهودي الذي كان حاكمًا دمويًا وقاسيًا حتى أنه يقال أن التعذيب الذي مارسه، قد فاق الحدَّ لدرجة أدهشت المؤرخين، حسب ما تذكر التواريخ،هَوَّد أهلَ اليمن فسَطَع نَجْمُه، ثمّ علا حين ثار سنة 516م على الرّوم (البيزنطيين) والأَحْباش، وأَنْكَرَ عليهم سَعْيَهم إلى بَسْطِ نُفُوذِهم على اليمن، وإِرْسالَهم المُبشِّرين بالنّصرانيّة إلى نَجْران وما جاورها، وجَيَّشَ لذلك الجُيُوش، وسار بها إلى نَصارَى نَجْران، فدَعاهم إلى اليهوديّة وخيَّرَهم بين ذلك والقَتْل، فاخْتاروا القَتْل، فحفر أخدودًا، فحَرَّقَ مَنْ حَرَّقَ في النّار، وقَتَلَ مَنْ قَتَلَ بالسَّيْف، ومَثَّلَ بهم حتّى قَتَلَ منهم خَلْقًا عظيمًا، ففي ذي نُواس وجُنْدِه أَنْزَل الله جلّ وعلا: “قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُوْدِ، النَّارِ ذاتِ الوَقُوْد “( (البروج 4-5).(موقع الموسوعة العربية)