بين الشجاعة والتهوّر
22 June, 2025الهجرة: فاتحة الزمان وبداية العزة
21 July, 2025العظمة لا تنال إلا بالابتلاء
(محمد خالد الباندوي الندوي)
أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد درست – أيها الأخ – قصة سيدنا إبراهيم الخليل في القرآن الكريم، وإنها قصة رائعة تحمل في طيها دروسا مفيدة وتوجيهات مشرقة، ومن أهم ما نستوحي من قصته “أن المجد لا يناله إلا من صبر على البلاء، واستقام على الرشاد، وحاول تذليل الصعاب.
لأن العظمة لا يعتقدها صاحب الهمة – أيها الاخ– هدية تُهدى، ولا يراها منزلة تُمنح، ولا رتبة تُعطى، ولا مجدًا يُشترى، بل هي-في اعتقاده- مقام لا يُبلغ إلا على جسر من الابتلاء، وطريق من المحن، وسُلم من التضحيات. ولا يحسبها ثمرة الراحة، وحصاد الترف، و ثمرة الكلام، وإنما يراها وليدة الصبر، ونتاج المحنة، وعاقبة الثبات، ووسام البلاء.
تأمل– يا أخي – في قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام، كيف مشى في طريق طويل، وابتُلي في النفس والولد، وفي الغربة والمهجر، وفي النار والذبح، حتى إذا انقرضت المحن، وتكامل الابتلاء، جاءه الوسام من رب السماء:
{وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُهُ بكلماتٍ فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إمامًا}
فلم تتحقق لسيدنا الخليل الإمامة إلا بعد التمام، ولا يتحقق التمام إلا بعد البلاء، ولا يأتي البلاء إلا اختبارًا للصبر، وتمحيصًا للصدق، وتصديقًا للنية.
لذا قال الله تعالى عن خيار عباده:
{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}
وإنما الصبر هو الذي مهد لهم السبيل إلى الإمامة، وأوصلهم إلى العظمة الخالدة، إذ العظمة – يا أخي– مشروطة بصبرٍ لا يجزع، ويقينٍ لا يتزلزل، وإيمانٍ لا يزول.
فإن الله لا يرفع عبدًا حتى يبتليه، ولا يُمكِّن أحدًا حتى يمتحنه، ولا يُصفي القلوب حتى يُعرضها للكدّ، ويُعرض الأرواح للسحق والبلاء.
فمن أراد العظمة فليصبر على ألم الطريق، ووعورة الطريق، وقسوة اللحظات، وليعلم أن الابتلاء باب التمحيص، والمحنة ميدان الغربلة، والمصاب علامة الاجتباء. “وليمحص الله الذين آمنوا منكم ويمحق الكافرين”.
ولعلك سمعت عن أناس تصدّروا قبل الابتلاء،فلم يتمكنوا من الاستواء على مكانة الصدراة ومن التربع على عرش الإمامة، لأنهم كانوا كمن ارتقى الجبل على قدمٍ واحدة، فلا ثبتوا في العاصفة، ولا صمدوا في المحنة، ولا أتموا الطريق.
أما من نجح في مدرسة البلاء، وخرج منها نقيًا من الشوائب، قويًا في المواقف، صادقًا في التوجه، فهو الذي يستحق أن يُقال له:
“إنا جعلناك للناس إمامًا”.
فمن أراد منكم الإمامة – يا أخي– فليتهيأ للابتلاء. ومن أراد القيادة، فليتهيأ للصبر..، ومن أراد المجد، فليتهيأ للمحنة……
نسأل الله أن يرزقنا قلوبًا قوية لا تنكسر، ونفوسًا مؤمنة لا تضعف، وصبرًا جميلاً على درب الأمانة، حتى نبلغ المجد بفضل الله.