الحاجة إلى فهم الوضع

الحج مظهر من مظاهر الحب والهيام
23 يونيو, 2024
“الرائد” تدخل عامها السادس والستين من عمرها
7 أغسطس, 2024

الحاجة إلى فهم الوضع

جعفر مسعود الحسني الندوي

لابد لكل من يتلقى العلم أن يعرف دوره بإزاء أمته في هذا العصر الذي لا يزال يتطور، ويشهد ما لم تشهده الأيامُ قبله من الأحداث والاختراعات، والتغيرات والاكتشافات، والصدامات والتناقضات، في كل مجال من مجالات الحياة، فعليه أن يعرف مسئوليته، وعليه أن يعرف مكانته، وعليه أن يعرف أهميته، وعليه أن يعرف كفاءته للقيام بواجبه الذي لا يستطيع أن يقوم به أحد غيره، عليه أن يقدِّر ما أكرمه الله به من نعمة العلم، وعليه أن يشكر الله على ما فضله به على سائر عباده قائلاً: “إنما يخشى الله من عباده العلماء
” والعلماء هم ورثة الأنبياء كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم”.

ألا تكفي لهم هذه المزية أنهم يتلقون العلم من القرآن الكريم، وللقرآن سند، ويتلقون العلم من الحديث النبوي الشريف، وله سند، ويتلقون العلم على أيدي كبار المفكرين والفقهاء والمحدثين والمجتهدين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكل كِتَابٍ لهم سند، وهذه ميزة تمتاز بها الأمة الإسلامية عن سائر الأمم.

فأول ما يجب على العالم أن ينقل ما تلقاه من العلم إلى من بعده ممن يجهل به، ينقله إليه بوضوح ودقة وأمانة على ما كان عليه نهج السلف الصالح على مذهب أهل السنة والجماعة، وهو مذهب جماهير جماهير المسلمين الذين يتبعون منهجًا علميًا في التلقي والفهم والأداء.

ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة التربية، فمن مهام العالم بإزاء أمته ودولته ووطنه ومجتمعه وأسرته أن يؤدي دوره في مجال التربية كما أدى دوره في مجال التعليم، والتربيةُ هي تخلية القلب من كل قبيح، وتحليته بكل صحيح، والقبيح سماه الإمام الغزالي بالمهلكات، وأما الصحيح فسماه بالمنجيات، فكل ما أمرنا به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم صحيح ينجينا، وكل ما نهانا عنه قبيح يوبقنا ويهلكنا، فعلينا أن نترك القبيح ونأتي بالصحيح، لأن هذا الدين الذي ندعو إليه الآخرين لا يصلح علمه إلا بمنظومة أخلاق، وقال أحد العلماء من خلَّي قلبه، واشتغل بالتحلِّي، ثم اشتغل بالتجلِّي، تتجلى على قلبه الأنوار، وتنزل عليه البركات.

ثم يأتي دور النصيحة، وهي مهمة لا يقوم بها عالم على وجه مؤثر إلا عالم يدرك الواقع بجانب ما عنده من نور العلم، يعيش في مجتمعه مفتوح العينين، يرى ويشعر ويفهم ويتألم ويحلل ويستعرض ويفكر ويعمل عقله، ثم يقدم النصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة ” فلابد للعالم أن يقدم النصحة.

فالعالم كما يجب عليه التعليم والتربية، وتصحيح الأخلاق، وإصلاح المجتمع، وتقديم النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بواجب الوقت، عليه أيضًا أن يدرك الواقع ولا يعتزل عن مجتمعه، ولا يغمض عينيه عما يحدث حوله، مما يثير القلق، ويدعو إلى التفكر، ولا يعيش متفرجًا على ما يجري حوله، من الأحداث والوقائع.

كل من يقدِّم النصيحة بدون أن يدرك الواقع، يخطئ ويخيب رغم ما لديه من علم غزير، نرى كثيرًا من العلماء يعرضون آراءهم في ضوء ما تلقوه من العلم، ولا علاقة لهم بإدراك الواقع، فآراؤهم لا تأتي بنتيجة.

وأختم حديثي بنقل ما كتبه الأستاذ الكبير محمد واضح رشيد الحسني الندوي في افتتاحية له في “الرائد”، يقول رحمه الله:

” إن العمل الإسلامي اليوم يحتاج إلى دراسة للواقع والظروف التي يعيش فيها، وفهم الفلتات، ومسح وإحصاء للحاجات والكفاءات دراسة شاملة، وتوزيع الثروة الفكرية والخبرة العملية حسب الحاجة، وتجنُّب تصرفات وأعمال يستغلها الأعداء لوصف الإسلام والعمل الإسلامي بالإرهاب والتطرف، وفي كل بلد يوجد مثل هذه القطاعات المهجورة التي تسترعى الانتباه، وقد تركزت الجهود في المدن، وحشدت في بعض الأصقاع، فإذا قام العمل الإسلامي على أساس دراسة، ووجهت العناية إلى القطاعات المهجورة لإزالة التفاوت، ووجد التعاون بين الأوساط الرسمية والحركات الطوعية، لأثمرت هذه الجهود أكثر مما تثمر اليوم، وخير الغيث ما عمَّ، كما أن طاقاتها تركز على النظرية والدفاع، وتناول الشبهات والتهم والدعاوي التي لا حاجة إلى إعادتها وردها، وإضاعة الوقت فيها، بدلاً من أن تختار مجالات العمل الجديدة، وإثبات سداد الإسلام عملياً، وحل مشاكل الحياة الإسلامية والتنظيم لجميع قطاعاتها طوعيًا.

فإن الجهود المبذولة في مجال العمل الإسلامي اليوم تحتاج إلى تيقُّظ ووعي للأخطار والتحديات، ومعرفة العناصر المفسدة التي تسربت إلى صفوف العاملين في الحقل الإسلامي، كما تحتاج إلى تكافُل وتواصل رغم العقبات، وتجنُّب الفرص التي يستغلها أعداء العمل الإسلامي.”

×