الصامدون في وجه الاستعمار (3)

شعائر الله تعالى وتعظيمها (6)
8 يونيو, 2021
تصريحات أحد كبار الوزراء تثير ضجة في أوساط النساء
8 يونيو, 2021

الصامدون في وجه الاستعمار (3)

دور العلماء في الدول الإسلامية الأخرى:

لقد سجل المسلمون في كل بلد من الوطن الإسلامي صفحات مجيدة للصمود والتصدى للاستعمار الأوربي، فوقفوا كسد منيع في وجه الزحف الأبيض، الذي سار بروح الاستعلاء والاستكبار بتفوقه العلمي، وقوته العسكرية، وحاول العلماء أن يحتفظوا بالكيان للحكم الإسلامي، وقدموا تضحيات جسيمة، وأجبروا العدو على التراجع عدة مرات.

الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

هو محمد بن عبد الوهّاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبه بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظله بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي.

ولد في العيينة شمال غرب الرياض سنة 1115هـ (1703م)،استظهر القرآن الكريم قبل بلوغه العشر، وقرأ على الحنابلة، وارتحل في سبيل كسب العلم إلى المدينة ليتم تعليمه، ثم طوَّف في كثير من بلاد العالم الإسلامي كالبصرة، وبغداد، وكردستان، وهمذان وأصفهان، ودرس فلسفة الإشراق والتصوف،ثم انفصل عن الناس مدة، وظهر بدعوته الجديدة.

كان القرن الثاني عشر عصر تضعضع، وانفصال عن الحقيقة الإسلامية، وقد سيطرت الخرافات والبدع على الحياة، وتشتت شمل المسلمين، وانقسموا إلى إمارات ودويلات تتناحر فيما بينها، تعم البطالة والجهل والانحطاط الخلقي، وقد صوَّر هذا الوضع الكاتب الأمريكي لوتروب استودارد بقوله في كتابه ” حاضر العالم الإسلامي “:.

” انتشر الفساد الخلقي، وتلاشى ما كان باقيًا من آثار التهذيب، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال”.( ص:1/ 295)

“وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفًا من الخرافات،وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين، يخرجون من مكان إلى مكان، يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار شرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات، وهجر الناس الحج”.(لوتروب ستودارد، حاضر العالم الإسلامي، ترجمة عجاج نويهض، وتعليق شكيب أرسلان، ج 1، ص 259.)

وكان العالم الإسلامي مهددًا من كل جانب، فكانت روسيا تطمع في أجزاء الخلافة العثمانية كما كانت فرنسا وبريطانيا تتسابقان في السيطرة على أجزاء العالم الإسلامي.

ظهر محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في مثل هذه الظروف، وبذل جهده لتطهير الحياة الإسلامية من الأوهام والخرافات، واستيصال جذور الرذائل، وبناء الأمة فكريًا وعقائديًا، فبدأ يحض المسلمين على إصلاح النفوس، واستعادة المجد الإسلامي، بالعودة إلى الكتاب والسنة.

وفيما يلي ركائز دعوته:

  1. تصحيح العقيدة الإسلامية، وتطهيرها من مظاهر الشرك، فكتب رسائل، وألقى الخطب، يحث فيها على التمسك بعقيدة التوحيد، واشتد فيها، ومن كتبه: التوحيد، وكشف الشبهات، الأصول الثلاثة، القواعد الأربع، فضل الإسلام، أصول الإيمان، الكبائر.
  2. تصحيح عقيدة المسلمين، ومكافحة التوسل والشفاعة والاستعانة.
  3. رفض الانحرافات والبدع.
  4. إنكار زيارة القبور، والبناء عليها، أو اللجوء إلى الموتى.
  5. مقابلة الخرافات والبدع.
  6. فتح باب الاجتهاد، عند توافر وسائله، وعدم التعصب لأي مذهب.
  7. ضرورة إحياء فريضة الحسبة، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  8. إحياء فريضة الحج.

تأثير حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

اضطهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب إثر دعوته إلى التوحيد الخالص، فاضطر إلى أن يخرج إلى الدرعية مقر آل سعود، وعرض دعوته على أميرها محمد بن سعود، فقبلها وتعاهدا على الدفاع عن الدين الصحيح، ومحاربة البدع ونشر الدعوة في جميع جزيرة العرب، باللسان عند من يقبلها، وبالسيف عند من لا يقبلها، وبذلك دخلت الدعوة في دور اجتماع السيف واللسان.

ولما مات الأمير ومات الشيخ تعاقد أنباء الأمير وأنباء الشيخ على أن يسيروا سير أبويهم  في نصرة الدعوة متكاتفين، وظلوا يعملون إلى أن غلبوا على مكة والمدينة، وشعرت الدولة العثمانية بالخطر يهددها بخروج الحجاز من يدها، فأرسل السلطان محمود إلى محمد على باشا في مصر أن يسير جيوشه لمقاتلة الوهابيين، وفي الوقت نفسه حمل علماء المسلمين عليها حملات منكرة، وألفت الكتب الكثيرة في التخويف منها، وهكذا حدثت الحرب بالسيف والحرب بالكلام.

انتصر الوهابيون أولاً على حملة محمد على باشا الأولى بقيادة الأمير أحمد طوسون باشا، ثم أعد محمد على باشاالعدة القوية الكبيرة، وسار بنفسه وحاربهم فانتصر عليهم وأتمَّ النصر ابنه إبراهيم باشا، وانهزمت قوة الوهابيين.

وبقيت الدعوة إلى أن هيئ لها في العهد الحاضر المملكة السعودية التي تبنت هذا المذهب، وأشركت أبناء هذه الأسرة في حكمها.

دخل سعود بن عبد العزيز مكة المكرمة فاتحاً في 8/ محرم الحرام 1218هـ المصادف 30/ أبريل 1803م ولم يلق سعود أي معارضة من المواطنين، وأعطى سعود أهل مكة الأمان وبذل فيها الصدقات، ولما فرغ سعود والمسلمون من الطواف والسعي تفرق أهل النواحي يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد التركية.

وولى سعود عبد المعين إمارة مكة وتوجه إلى تطهير الحرم من أرجاس الوثنية ووزع الجواهر والأموال الموجودة في الكعبة وهدمت القباب، وقتل بعض السدنة.

وزيادة على هذا أجبر الناس كلهم على الصلاة مع الجماعة، ودمرت آلات الثياب والملابس الحريرية، وألغيت المكوس والرسوم التي لا يقرها الشرع الإسلامي،وقضى على تعدد الجماعات في الصلوات، بدأ الناس يصلون وراء إمام واحد، وبدأ علماء المذاهب المختلفة يصلون بالناس في أوقات مختلفة.

امتد نفوذ الحكومة النجدية في الشمال في حلب إلى المحيط الهندي في الجنوب وفي الخليج من الشرق إلى البحر الأحمر في الغرب، وبعد ما ضاق الباب العالي ذرعا عيَّن محمد على خديوي مصر لكسر شوكة أهل نجد.

ابتدأت غارات المصريين من أواخر 1811م فنزل طوسون بن محمد على المتوفى 1816م على الساحل الغربي، بجيش قوامه عشرة آلاف جندي، واستولى على ينبع، ثم تقدم نحو المدينة، وتصدى له أبناء سعود عبد الله وفيصل فقاتلاه بضراوة حتى هزماه، وقتل من المصريين ألف ومائتان واضطر طوسون إلى أن يعود على أعقابه إلى ينبع.

وبعد مدة تقدم طوسون إلى المدينة وانتصر واستولى على المدينة، ثم توجه طوسون إلى جدة، وهكذا دخل المصريون البلد الحرام بدون مقاومة، ولكن بعد مدة لقيت جيوش المصريين الهزيمة على مقربة من تربه.

محمد واضح رشيد الحسني الندوي (رئيس التحرير سابقاً)

×