مساوئ المدينة
9 يونيو, 2020المظهر الخارجي
30 يوليو, 2020قد يكون الجهل نعمة
أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجهل–أيها الأخ – نعمة، لعل هذا الكلام يثير الدهشة،وقد تبعثك على الاستغراب، وتجدني مازحا في ذلك غير مجد فيه، وقد تقول في نفسك أنه كيف يمكن أن يكون الجهل نعمة، وإنماالعلم نعمة إلهية ورحمة قرآنية، وكيف يستسيغ للعاقل أن يتغنى بمحاسن الجهل حتى يحسبه نعمة.
نعم -أيها الأخ – لقد تغيرت المصطلحات اليوم،وانقلبت الموازين والمعايير، وتبدلت المفاهيم والمدلولات، واختلط الحابل بالنابل، فزماننا جاء بالعجب العجاب،فالعلم الذي سمعت ثناءه من العلماء العباقرة والأئمة الجهابذة أصبح اليوم خبر كان، ترثيه المدارس والمعاهد، وتفقده الجامعات والكليات، وحل محله الجهل، وتربع على كرسيه يصدر الأوامر والنواهي،وقد كان ذلك العلم المفقود يقوم بإسعاد الإنسانية وإراحتها، ويصب في صالحها ويقضي حوائجها،أما اليوم فقد أصبح وبالا على العالم البشري، يستخدم في بث الذعر والخوف في قلوب الإنسانية طمعا في أموالهم،نرى مظاهر ذلك العلم غير الإنسانية في مختلف مجالات الحياة، نرى أصحاب الشهادات العالية الذين تخرجوا من الجامعات المعروفة الشهيرة في العلم،نراهم لا ينفعون الإنسانية إلا رزءا في أموالها،لا يهمهم إلا إشباع الغرائز النفسية ولو كان على حساب الضمير الإنساني والعوالطف البشرية،فإذا كان معنى العلم سلبًا لكرامة الإنسانية وإهداراً لحقوقها فهو نقمة والجهل.
نعم -أيها الأخ- ربما يكون الجهل نعمة عظيمة وسعادة لا تعادلها سعادة أخرى في الحياة،فإنك طالما تقرأ كثيرا من الكتب وتسمع كثيرا من الأحاديث وتستفيد من خلالها التجارب الواسعة وتأخذ منها العلم الكثير الذي هو جوهر الحياة، ولكن ربما صادفت بأشياء غريبة تستهجنها وفوجئت بمعلومات كريهة مبغضة تمتعض منها النفس ووتعافها الطبيعة، ويشمئز منها الذوق البشري وتمنيت لوأن هذا المقال لم يطرق على أذنك وأن هذا الكتاب لم يقع بصرك عليه، ولو لم تقف على تلك القصة ولم تعثرعليها.
نعم يكون الجهل نعمة إذا جر العلم على إنسانية الإنسان بويل وشقاء، ويكون نعمة إذا رأيت أن العلم لا يستفيد منه صاحبه إلاإشباع غرائزه الخسيسة، ولا يتوخى من خلاله إلا جمع الأموال المقنطرة وادخار أسباب الترف والدعة، ولا يبالي بما يعود علمه على المجتمع البشري من الفساد والدمار.
ونحن نعيش –أيها الأخ – في مجتمع يدعى بتقدمه ويفتخر بتفوقه على المجتمعات الأخرى، والذي حقق اليوم ما يسمى بثورة المعلومات، وازدادت هذه المصادفات القبيحة وزادت معها الخسائر، وتراكمت على الإنسانية ظلمات فوق ظلمات، حين يتنمى المرأ لو لم يعرف تلك المعلومة ويتمنى لو لم يعثر عليها خذ مثلا التفاصيل الدقيقة لجريمة من الجرائم المدعومة بالصور التي التقطتها كاميرات ممثلة التقدم ودليل الحضارة وعلامة الرقي والتطور والتي تجعلك تشعر بأنك لست بصدد صورة فوتو غرافية بل ترى جسم الضحية بلحمه ودمه أو تفاصيل الحادثة بأسرها، وتتمنى أن تكون غير مطلع عليها، وبعيدا عن العلم بها لأن هذه الحادثة وإن زادتك علما لكن على حساب العاطفة والضمير الإنساني، ورزأتك في شعورك بالرحمة والرأفة التي تحملها في فؤادك نحو كرامة البشرية وتحتضنها بين جنبيك نحو الشرف الإنساني، وتجد نفسك بعد التعرض لهذه المصادفات تتسائل عن النفع الذي يمكن أن يعود عليك لم تحر جوابا للسؤال، ولا تجد ملجأ إلى الخلاص منه.
(محمد خالد الباندوي الندوي)