السعادة الحقيقية

تعظيم أهل الفضل منهج نبوي لا يُبنى على طعن غيرهم
28 July, 2025
تعظيم أهل الفضل منهج نبوي لا يُبنى على طعن غيرهم
28 July, 2025

السعادة الحقيقية

خليل أحمد الحسني الندوي

أفادت صحيفة “راشترية سهارا”: شهدت الهند في الآونة الأخيرة ثلاث حوادث انتحار هزّت الرأي العام، ليس بسبب غرابة الفعل بحد ذاته، بل لكون الضحايا من الطبقات العليا اجتماعياً واقتصادياً، ممن يُفترض أنهم يعيشون حياة مترفة خالية من الأزمات، إلا أن الواقع أثبت مجددًا أن القلق النفسي لا يميّز بين غني وفقير، وأن الطمأنينة ليست حكراً على أصحاب الثروة والمناصب.

الحادثة الأولى تعود لضابطين إداريين هنديين، من خريجي الجامعات العصرية الممتازة، يشغلان مناصب رفيعة ويتقاضيان أعلى الرواتب في سلك الخدمة المدنية، يعيشان حياة مرفّهة محاطة بالخدم ووسائل الراحة. ورغم كل ذلك، اختارا إنهاء حياتهما، في لحظة يأس لم تفلح الامتيازات المادية في صدّها.

أما الخبر الثاني، فيتناول طبيباً متخصصاً في أمراض الرأس والأعصاب، تخرج من جامعة “كيمرج” المرموقة في إنجلترا، وذاع صيته في الأوساط الطبية حتى بات اسمه لامعاً على مستوى عالمي. لم يكن يُتاح للمريض لقاؤه إلا بعد انتظار طويل. ومع ذلك، أقدم هذا الطبيب الماهر على الانتحار داخل غرفته في المستشفى، عقب الانتهاء من معاينة مرضاه.

وفي حادثة ثالثة مشابهة، أنهى رجل مسلم حياته رغم تمتّعه بثروة معتبرة ومكانة اجتماعية مرموقة. كان يعمل في مجال تخطيط الأراضي وتقسيمها وبيعها، ويعيش في راحة مادية، وله خادم خاص. إلا أن خلافات أسرية ضاغطة قادته إلى اتخاذ قرار مأساوي لا رجعة فيه.

عند التأمل في هذه الحوادث الثلاث، يبرز سؤال: ما الذي يدفع أشخاصاً ناجحين، أثرياء، يعيشون في رغد وراحة، إلى الانتحار؟

الجواب، في جوهره، لا يخرج عن إطار الأزمات النفسية الحادة التي تتفاقم بصمت داخل النفس، حتى تُفقد الإنسان القدرة على الصبر، وتدفعه نحو القلق واليأس، بل وفقدان الرغبة في الحياة.

الاكتئاب، الذي يُعد داء العصر، لا يفرّق بين الناس بحسب وضعهم المادي أو الاجتماعي، بل يتسلل إلى الأرواح التي تفقد البوصلة الداخلية وتُثقلها الضغوط، سواء كانت عائلية، أو مهنية، أو وجودية. المشكلة أن كثيراً من هؤلاء، رغم امتلاكهم لوسائل الراحة، يشعرون من الداخل بالفراغ والضياع، ويلجؤون إلى رياضات مثل اليوغا والتأمل، بل وحتى إلى الممارسات المحرّمة بحثاً عن “الراحة”، لكنهم في النهاية يتيهون، ثم ينهارون.

وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا المعنى بوضوح، في قوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” كما يقول في موضع آخر: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدراً”، هذه النصوص تؤكد أن الراحة النفسية لا تُشترى، بل تُستمد من الإيمان، ومن الثقة في أن الأزمات مهما اشتدت، فإنها إلى زوال.

إن هذه الحوادث المؤلمة لا يجب أن تمر مرور الكرام. هي جرس إنذار يدعونا جميعاً لإعادة النظر في مفاهيم السعادة والنجاح، وإلى فتح نقاش مجتمعي أعمق حول الصحة النفسية، خصوصاً بين من يُظَنّ أنهم “في مأمن” منها.

ففي عالم تتسارع فيه الوتيرة، وتتفاقم الضغوط، بات من الضروري أن نعيد وصل الإنسان بمصدر الطمأنينة الحقيقي: الإيمان، والقيم، واليقين بأن بعد العسر يسراً.