الشعور بالمسئولية ميزة الحياة الإسلامية
22 June, 2025الرائد في عامها السابع والستين
(سعيد الأعظمي الندوي)
ستة وستون عامًا مضت على صدور صحيفة الرائد، وهي مدة طويلة، تُغطي جيلين اثنين على أقل تقدير، يوم لم تكن وسائل الصحافة العربية في الهند مَيْسورَةً، ولم تكن أقلام واعدة ولا أيد عاملة موفورة بشكل، يُبشر بمستقبل لامع، ولكن العزم الأكيد مع التوكل على الله، النابع من أعماق الضمير، والهمة السامية كان رائدنا في هذه الرحلة الهادفة، التي كانت لمجرد خدمة اللغة العربية وتوسعة نطاقها في بلد أعجمي كان يعيش على الهامش.
فكان إصدار مثل هذه الصحيفة العربية يوم ذاك في عام تسعة وخمسين وتسع مائة وألف الميلادي مغامرة علمية وأدبية، ولولا أن الله سبحانه وتعالى كان قد أراد بنا خيراً لما كان قد قضى ببقاء “الرائد” على قلة الوسائل وضآلة الإمكانيات، لقد نال رائد “الرائد” سعادة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي مؤسس “الرائد” تأييدًا مؤزرًا من الله عزوجل، وقد كان له يومئذ ومن أول يومه في هذا المجال أخ صغير (كاتب هذه السطور) يمشي معه حيثما مشى، ويمتثل أوامره في كل ما يليق به من غير تأخير، وبدافع من الاعتزاز والشكر.
صدر العدد الأول من صحيفة “الرائد” وأعداد تالية على مطبعة “ليتو” بكتابة اليد على الورق الأصفر، وكان “الأخ الصغير” يتحمل مسئولية الطباعة واختيار الموضوعات وإعداد المواد، والأخبار العلمية والأدبية، وأحياناً السياسية، ويعرضها على رائده الكبير، الذي كان يتناولها بالنقص والزيادة، فكل ما كان يوافق عليه يحمله إلى الخطاط، مرورًا بعملية التصحيح والتعديل، ثم إلى مركز الطباعة، وإن كان بعض الأعضاء للنادي العربي من طلبة دار العلوم يساعدونه في بعض هذه الأمور، ولا سيما في كتابة عناوين المشتركين وتسليمها إلى البريد، جزاهم الله خيراً.
لم يكن صدور “الرائد” إلا سداً لفراغ كبير، وُجد في صفوف المراكز العلمية والأدبية، التي كانت تكتفي بتعليم اللغة العربية من خلال الكتب والمؤلفات العربية ودواوين الشعر، وما كانت تعرف أن اللغة العربية مفتاح كنوز الكتاب والسنة، وهي تفوق جميع اللغات العالمية في مفرداتها وأسلوبها والتعبير عما يكن في النفس من أفكار وآراء بغاية من الوضوح والفصاحة، فكانت “الرائد” أداة منقطعة النظير في إنجاز هذا المشروع الجليل، وشق الطريق إلى تحقيق هذه الغاية التي لها علاقة بلغة العرب، التي أنزل الله سبحانه وتعالى فيها كتابه العزيز، وكانت أفصح اللغات وأبلغ اللهجات، تنتمي إلى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى لغة أهل الجنة، ولذلك كان التركيز على تعلمها بالفصاحة والبلاغة والبيان واجب كل مسلم، فضلاً عن أولئك الطائفة الذين نفروا ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
يقول الله تعالى:)فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ([ التوبة”122]
ومن ثم كانت هذه الصحيفة المباركة عنوان المجد والشرف لطلبة العلم وعلماء الدين في المدارس والجامعات الإسلامية، وقد تطورت “الرائد” في هذا العالم المتطور إلى أقصى حد، وخاصة في عهد رئيس تحريرها سعادة الأستاذ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي الذي لم يبخل بتزويدها بالعطاء العلمي والأدبي، يساعده في ذلك الأستاذ عبد الله محمد الحسني الندوي مدير التحرير للصحيفة، وبعد وفاته عام 2019م خلفه نجلُه الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي في رئاسة التحرير الذي نهج منهج أسلافه في الفكر والدعوة والعمل، ثم خلفه بعد وفاته في شهر يناير لهذا العام 2025م زميلُه الدكتور الأستاذ محمد وثيق الندوي الذي قضى مدة طويلة في إدارة “الرائد”، ولقد ربَّاه مُربُّوه لهذا العمل تربية مستقيمة جيدة جعلته جديرًا بتحمُّل هذه المسئولية الكبيرة، فهو يقوم بأداء هذه المسئولية خير قيام، ويساعده في ذلك الأخ العزيز السيد خليل أحمد الحسني الندوي.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يكلل جهوده بالقبول والتوفيق المزيد، وما ذلك على الله بعزيز.