الهجرة: فاتحة الزمان وبداية العزة

العظمة لا تنال إلا بالابتلاء
22 June, 2025
العظمة لا تنال إلا بالابتلاء
22 June, 2025

الهجرة: فاتحة الزمان وبداية العزة

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

إن ارتباط الأمة بتاريخها – أيهالأخ – هو مصدر القوة، ومنبع العز والتمكين، إذ الأمة التي تجهل تاريخها المشرق وتنقطع صلتها عن ماضيها الزاهر لا تستحق البقاء في العالم، وإنما تكون كورقة منفصلة عن الشجرة تذروها الرياح حيث تشاء. لا يكون لها شأن يذكر ولا قيمة تقوّم. كذلك للأمة الإسلامية أيها الأخ تاريخ مرتبط أي ارتباط بالهجرة النبوية، فهل تعرف معناها؟ وهل تدرك أبعادها؟ وهل تطلع على قيمتها المستورة في طيها.

إن الهجرة النبوية ليست في تاريخ الإسلام إلا فجرا بزغ في ظلمات الجاهلية، وسراجا أضاء طريق الأمة، وبداية زمنٍ كتب الله فيه العزّة للإسلام وأهله.

لم تكن الهجرة – يا أخي – رحلة فرار من المبدأ أو المسؤولية، بل كانت رحلة اختيار، اختيار النور على الظلمة، والإيمان على الجاه، والحق على الهوى.

لم تكن الهجرة  انتقالا من دارٍ إلى دار، بل كانت نقطة انطلاق من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين، ومن سراديب الخوف إلى منابر الدعوة.

لمّا أراد الصحابة – رضي الله عنهم – أن يؤرخوا للعالم زمان الإسلام، لم يختاروا يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا لحظة نزول الوحي، ولا ساعة النصر، بل اختاروا لحظة التضحية، حين خرج الحبيب صلى الله عليه وسلم من أحب أرضٍ إلى قلبه، وهو يلتفت باكيًا:

“والله إنكِ لأحب أرض الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت”.

فأيُّ تقويمٍ أصدق من تقويم بدأ بالألم والصبر والتوكل على الله؟

وأيُّ بدايةٍ أعظم من بدايةٍ ختمها الله بقوله: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾؟!

فكان ما بعد الغار إلا فجر المدينة، ونشيد “طلع البدر علينا”، وبداية الطريق الطويل نحو فتح مكة، ثم القادسية، ثم الأندلس، ثم كل أرضٍ دانت لله رب العالمين.

ليس التقويم الهجري -أيها الأخ- أرقامًا تُبدَّل على الصفحات، وإنما هو هوية أمة، وعنوان حضارة، وذكرى تضحية وجهاد.

توقف – يا أخي – عند “الهجرة” لا كحادثةٍ مضت، بل كمعنى يسكن وجدان الأمة، وكحكاية لا تزال تنبض بالحياة في كل قلبٍ مدّكرعرف عهد الله،ولم يخن العهد.

إن الهجرة لم تكن مجرّد انتقال من مكة إلى المدينة، بل كانت انفصالًا عن الجاهلية، وارتباطًا أبديًّا بالله.

إن الأمة الإسلامية – أيهاالأخ – تاهت حين جهلت تاريخها، وضاعت حين بدّلت هويتها، فلابد من عودتها إلى جذورها، ولابد من أن تعلم أبناءها أن العام الجديد يبتدئ بـ”محرَّم” لا بـ”يناير”، وأن مجال حبهم  هو “ساحة بدر وحنين والخندق” لا “عيد الحب”.

إن التقويم الهجري ليس ورقة نُقلّبها كل اثني عشر شهرًا، بل هو راية مرفوعة تقول: نحن أبناء هجرة، وأحفاد مهاجرين، وسلالة رجال باعوا الدنيا ليشتروا رضا الله.

فابدأ – يا أخي – عامك الجديد بالنية الصادقة، والمحاسبة الجادة، واذكر أنك إن لم تهاجر بجسدك كما هاجروا، فهاجر بقلبك، وهجر المعصية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”.